فتاوي الشيخ ابراهيم نياس في كتاب جديد

*تحفة نادرة للباحثين *
صدر خلال هذه السنة  (2012) كتاب نفيس  يحوي بعض  فتاوى الشيخ إبراهيم نياس،  وعنوانه "اتحاف السامع والراوي في بعض  أجوبة الشيخ والفتاوى " جمعه ونشره إمام  المسجد الجامع بمدينة كولخ بالسنغال الشيخ التجاني على سيس .
كتب الناشر في تقديمه للكتاب : " لقد وفقني الله  تبارك وتعالى  لجمع بعض من فتاوي  قطب المعارف،  وكعبة كل عارف، من سطا نوره في الشرق والغرب ، وعلا صيته بين العجم والعرب، فقيه عصره وفريد دهره، الجامع  بين الشريعة والحقيقة، شيخ الإسلام وسعادة الأنام،  مولانا صاحب الفيضة التجانية  الشيخ ابراهيم بن الحاج عبد الله نياس  رضي الله عنه ، فرأيت أن أطبعها  في كتاب  حتى تكون  في متناول الجميع، ليستفيد منها الطلبة والإخوان والباحثون على حد السواء".
واعتبر الإمام  الشيخ التجاني سيس ، الذي هو حفيد الشيخ ابراهيم  نياس وإمام مسجده الجامع ، أن هذه الأجوبة تبرز الشيخ ابراهيم المفتي بعد أن طغى  على شخصيته الشيخ ابراهيم صاحب الفيضة التجانية،  كما أنها تبرز  المكانة  العلمية السامية التي تبوأها الشيخ ابراهيم نياس الذي "كان شيخنا كاملا وحبرا عالما وداعية إسلاميا من الطراز الأول".
يقع هذا الكتاب في (192) صفحة  من الحجم المتوسط ، طباعة الشركة الدولية للطباعة في مصر وبتجليد فاخر، وملتزم الطبع والنشر الإمام الشيخ التجاني علي سيسي .
تم تقسم  الكتاب إلى ثلاثة فصول: الأول للمسائل الفقهية ، والثاني  للمسائل العامة، والثالث في فقه الطريقة والتصوف..


* فتاوي فقهية في 37 نازلة معاصرة*
ومن أبرزما حوى الفصل الأول  من هذا الكتاب  البحث الذي ألفه  الشيخ إبراهيم  نياس في ربيع الثاني من سنة 1355 ه  تحت عنوان "كتاب إرشاد السارين  إلى عدم وجوب زكاة هارين "  وهارين هي "كرت" – بالحسانية- والفستق بالفصحى.. وقد استحوذت هذه الفتوى، مع قصيدة ملحقة بها، على (26)  صفحة  من الكتاب .
وفي معرض  تعريفه بهذا النوع من الحبوب وسبب انجازه لهذا البحث كتب الشيخ ابراهيم نياس " حدث في أقطارنا الإفريقية، منذ مائة سنة تقريبا ، حب يسمى في لغتنا الخلفية  ب "كرت"و"تك " وهارين" أسماء مترادفة ،  يحرث ويكون له حب من أسفله، له زيت ، واشتغل جل أهل البلد بازدراعه ، ويأتيهم تجار النصارى ويشترونه عاما بعد عام، فأفتى شيخنا ووالدنا ، كغيره من علماء البلد، حيث أن ما بأيديهم  من الفروع فروع المذهب المالكى ، بعدم وجوب الزكاة في ذلك  الحب، وعللوا أن الزكاة  محصورة على مذهب إمامنا في العشرين  نوعا فقط ، وبما استشكل  بعض طلبة العلم عدم الزكاة فيه لما يخرج منه من زيت ظنا  منه أن خروج الزيت  من علة  الزكاة ، وذوات الزيوت  المزكاة أربع على المنصوص  في جميع  الكتب المالكية.  فسألني  بعض من عاصرني ، وطلب مني البحث في ذلك علما منه أني لا أتعصب ولله الحمد، بل لورأيت وجوب الزكاة فيه لاتخذته  مذهبا،  ولكني ما ظهرلي إلا أن الحب لازكاة فيه على المشهور  من مذهب مالك".
وأفتى الشيخ إبراهيم نياس ، في هذا الفصل،  في 37 مسألة منها بيان  حكم  الجمع بين أربع زوجات  حرائر  في آن واحد،  مبرزا على أن إجماع العلماء انعقد على أن الزيادة على أربع من خصائص  النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن هذه المسائل فتوى في الأوراق المالية، هل تجب فيها الزكاة أم لا؟
فأفتى  بوجوب الزكاة فيها واستهل هذه  الفتوى بقوله:" أعلم أن الأوراق البنكية التي أحدثت في هذا الزمن وتعامل الناس بها في سائر المعاملات جارية مجرى  الفضة المضروبة، حيث  كان  الغرض واحدا ولاسيما وقد ارتفعت الفضة من أجلها؛ فقد كان العلماء الأجلاء تختلف آراؤهم  فيها في زمن قبل هذا كوالدي  رحمة الله عليه، فإنه قال بعدم الوجوب، ولكن في ذلك الزمن توجد الأوراق قليلا والفضة موجودة وكثيرة، فمحل الخلاف في ذلك الوقت، أما الآن فالحق أنها تزكى".
ومن ضمن هذه الفتاوى إلحاقه لحمل  امرأة اعتمادا على أقوال الفقهاء في الآية الكريمة "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد".
وله في هذا الفصل فتاوى  في الزكاة وربا الفضل  وفي السلم وفى  أخذ الأجرة على تقسيم  التركة  وكذلك في حكم حلق النساء  رؤوسهن  ووصلها بالشعر والوشم وفي نكاح  السر وفي تطليق المرأة نفسها وفي الدية وهل يضمن صاحب السيارة والدابة إذا أتلفتا شيئا.
* فتاوى عامة في أمور من اهتمامات المسلم المعاصر*
أما الفصل  الثاني فتضمن  فتاوى  عامة في (24) مسألة منها تعليق الشيخ على بحوث ألقيت في مؤتمر انعقد بمصر في عهد جمال عبد الناصر حول الاسترقاق واستهله الشيخ  إبراهيم نياس  بقوله : " من الغريب أن ابيض يستنكر الرق وأسود يثبته.وهذا أدل دليل على أننا رواد الحق"..
 و أورد الآيات  المتعلقة  بالموضوع مبرزا أن إبراهيم الخليل  عليه السلام تسرى بجارية  وهبها الملك الجبار  لزوجته فوهبتها له وولدت إسماعيل جد الرسول العربي صلى الله عليه وسلم  وجد العرب، وتسرى النبي صلى الله عليه وسلم بعدة جوار  منهن  ماريه القبطية أم إبراهيم.
والصحابة استرقوا بمرأى من الشارع ولم يستنكره  ولايسكت عن باطل، ومعلوم أن عددا كبيرا  من خيار أولاد الصحابة  بما فيهم آل البيت أولاد جوار، وما استحلوا  فروجهن إلا بملك اليمين.
فإن نفينا  ثبوت  الرق في الإسلام حذفنا أبوابا كثيرة من كتب الحديث والأصول والفقه، ولايقوم عليه دليل، فإن كان المقصود التقرب لخصوم الإسلام فالأمر كما قال تعالى:"  ولن ترضى عنك اليهود ولا النصاري حتى تتبع ملتهم"؛  فمن أغضبه الشرع فلارضي .
وكون بعض العناصر  يعتقد البعض الآخر رقيقا فهذا باطل  وهو معنى قول عمر رضي الله عنه: إن الناس ولدوا أحرارا ، فالرق من آثار الكفر والاعتداء.
والرفق بالمملوك والإحسان إليه  وعدم تعييره  من آداب الإسلام  وقصة أبي ذر مع غلامه لما قال له : ياأبن الأمة فزجره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك  جاهلية،  إخوانكم إخوانكم فاطعموهم  مما تطعمون  واكسوهم مما تكسون"..
وقد فتح أبوابا كثيرة للتحرر من الرق كالعتق والكتابة والتدبير".
وختم الشيخ هذه المسألة  بما يلي:" فكون الغربيين  المستعمرين الكفار ينفون وجود الرق  بعد ماكانوا يتجرون بالأحرار على أنهم عبيد لمجرد اللون لايؤثر في حكم الشريعة  والقواعد الدينية ووحي السماء  فدعوة الإسلام نفت التفرقة العنصرية وساوت بين الناس والرق لعارض ثابت قبل الإسلام، وهو باق حيث أكمل الدين ولم يحرم "  فالحلال بين والحرام بين "، ومحرم الحلال كمحلل الحرام، والساكت على الحق كالمتكلم  بالباطل، والمثبت مقدم على النافي، والحق أحق أن يتبع، والله الموفق"..
وتضمن هذا الفصل كذلك فتاوى حول الاجتماع للذكر، والمهدي المنتظر، ونزول عيسى قبل قيام الساعة، وفضل علي كرم الله وجهه، والاحتفال بالمولد، وفضائل أمهات المومنين، والاحتفال بيوم افتتاح واختتام الأعمال الصالحة، وفضل العلم، والمشاركة في الانتخابات التي جرت عام 1371 ه (حوالي 1951 م) لانتخاب مجلس عام  للسنغال وموريتانيا ويدعو الشيخ إلى اجتماع كلمة المسلمين لاختيار الإخوان في الدين  لأن الأكثرية إن كانت لمن لا دين لهم فذلك خطر يهدد الإسلام..ويتعرض للآداب الواجب التحلي بها في مثل هذه الحالات.
 ويختم الشيخ إبراهيم هذا الفصل بفتوى حول جواز تلاوة القرءان والعلوم الشرعية في الآلات المحدثة (من مكبرات وآلات تسجيل وإذاعات...). وبعد أن ورد تقسيم العلماء للبدعة خمسة أقسام: واجبا ومندوبا وجائزا ومكروها ومحرما.. قال :" وقد حدث في الزمن الحاضر هذه  المسجلات والمكبرات والإذاعات وفيها وسيلة وعون على نصرة الدين.. فالوسيلة إلى الطاعة طاعة ، وقد رأينا كيف صارت هذه السفن وهذه السيارات والطائرات  والمواصلات والتلفونات وغيرها عونا للمسلمين على دينهم، والأعمال بالنيات، والمؤمن يلتمس أحسن المخارج".
مقامات الدين الثلاث وفضل فاطمة الزهراء
وفقه الطريقة التجانية
تضمن الفصل  الثالث والأخير من هذا الكتاب مسائل في التصوف عموما وفقه الطريقة  التجانية خصوصا وبدأها الشيخ  إبراهيم  نياس بالحديث عن مقامات الدين  الثلاث :  الإسلام والإيمان والإحسان  والمندرجة في "لاإله إلا الله" ، مستعرضا منازلها التسع : التوبة والاستقامة والتقوى في مقام الإسلام، والصدق والإخلاص والطمأنينة  في مقام الإيمان، والمراقبة والمشاهدة والمعرفة في مقام الإحسان .. وفصل ذلك تفصيلا..
وفي مسألة أخرى تحدث الشيخ  إبراهيم عن فضل السيدة فاطمة رضي الله عنها وكونها"تقلدت من أبيها صلى الله عليه وسلم مرتبة القطبانية"، وقد أدركت ذلك دون سائر النساء  لكونها لاتحيض ومنكونها أعطيت مرتبة الكمال من أبيها مما لامطمع فيه للنساء ؛ فهي حوراء آدمية .. وتحدث في هذا السياق  عن القطب ومرتبته .
وأجاب الشيخ عن مسائل تتعلق بالاسم الأعظم، والتجلي الصوري، ، وتلاوة القرءان  في الخلوة والفرق بين الخاطر والفكرة والعبرة ، مبينا أن الخاطر ما من الله إليك والفكرة مامنك إلى الله والعبرة أثرهما ونتيجتهما..
أما جل المسائل التي وردت  في هذا الفصل فتتعلق بفقه الطريقة التجانية وختمت بنقلة تحت عنوان "إفادة المريد جوابا لأسئلة محمد بن محمد العيد" وهي أجوبة من الشيخ إبراهيم نياس على (26)  سؤالا قدمها السيد محمد بن محمد العيد وهو أحد أكابر مقدمي الطريقة التجانية في موريتانيا المعاصرين للشيخ إبراهيم .
ولاشك ، كما أورد الناشر في خاتمة الكتاب ، أن هذه المجموعة المباركة من الفتاوى قد حوت من العلوم والأسرار والفوائد الظاهرة والباطنة مالايعلم حده إلا الله عزوجل .

عرض / محمد الحافظ بن محم  
ذي الحجة 1433 هـ  / نوفمبر2012