Ads 468x60px

أقسام المدونة

الأربعاء، 9 يناير 2013

دعوة لإقامة مشروع وطني لحفظ التراث

(الحلقة الثانية عشرة)
يعاني الباحث في تاريخ موريتانيا القديم من شح في المعلومات مرده الأساسي انعدام التوثيق، والعزوف عن تدوين الوقائع باعتبار أن "التاريخ علم لا ينفع وجهالة لا تضر"، مما سبب وجود عدة "حلقات مفقودة" في تاريخنا الوطني..
ولئن كنا نلتمس لأسلافنا بعض المبررات من أبرزها صعوبة الظروف وقلة الوسائل؛ فإنه لا يمكن تبرير أي نقص في توثيق الأحداث المعاصرة، وقد بدا جليا أن هناك إهمال شديد في مجال الأرشفة والتوثيق في بلادنا.. وإنه لأمر مؤسف حقا..
* اختفاء الوثائق*
لا ننطلق في هذه الملاحظة من فراغ؛ فقد تسني لي خلال إحيائنا للذكرى الخمسين للاستقلال الوطني أن أكتشف أن الباحثين يعانون من نقص كبير في المعلومات الموثقة حتى في هذه العقود الخمسة من تاريخ دولتنا الحديثة.
المفترض أن الباحث يمكن أن يستقي معلوماته عن هذه الفترة من ثلاثة مصادر مكتوبة أساسية:
ـ التقارير والوثائق الإدارية المحفوظة إما في الهيئات الحكومية أو في الأرشيف الوطني.
ـ الصحف الصادرة في تلك الفترة
ـ الكتب والبحوث

ويبدو أن الوثائق والتقاير الإدارية لم توثق في مصدرها الأصلي توثيقا يراعي المعايير العلمية للتوثيق عدا ما هو موجود في الأرشيف الوطني.. مع أنه في ظل الترحال الذي عرفته الهيئات الحكومية سواء بتغيير الهيكلة الدائمة أو التنقل من مقر إلي مقر.. كل ذلك أدى إلي ضياع الكثير من هذه الوثائق.


أما الصحف فنحن ندرك أنه قبل يوليو 1975 لم تعرف البلاد أي صحيفة يومية وقد صدرت عدة صحف أسبوعية ونصف شهرية بانتظام تارة وبتقطع طورا. ومن المؤلم حقا أنك لا تكاد تجد نموذجا من هذه الصحف؛ وإنني شخصيا قد أدركت في السبعينيات من القرن الماضي كميات كبيرة من هذه الصحف كانت مكدسة في مكاتب ومخازن تحت منصة شيدت علي أنقاضها حاليا مكاتب المجموعة الحضرية بنواكشوط. هذه الكمية من الصحف من المفترض أنها قد آلت إلى أرشيف جريدة "الشعب"، وهذا الأرشيف لا يوجد فيه اليوم من الصحف القديمة إلا مجلد واحد لجريدة "موريتانيا" الصادرة في السنوات الأولى للاستقلال (من 1960 إلى 1963 ). وقد تكون وزارة الاتصال قد ورثت هذه الصحف؛ فهل يوجد  بأرشيف هذه الوزارة بعض هذه الصحف القديمة؟ لا أعرف لكنني أستبعد ذلك نظرا لما شهدته هذه الوزارة من الترحال الذي تضيع بسببه الوثائق عادة.
وهل اختفت هذه الصحف إلى الأبد أم انه مازال على قيد الحياة أشخاص يحتفظون بنماذج منها؟ ذلك هو أملنا الوحيد في وجودها.

وأسجل هنا بمرارة أنه حتى مجلدات جريدة "الشعب" اليومية لم تسلم من الضياع، فيعانى أرشيف "الشعب" حاليا من فقدان بعض المجلدات والأعداد، وقد تأكدنا أنه يمكن سد هذا النقص بالتعاون مع بعض الخبراء الوطنيين في مجال التوثيق، ويمكن  سد هذه الثغرات في أرشفة "الشعب" اليومية  إذا وجدت الإرادة الجادة لذلك.
أما المصدر الثالث فهو الكتب والبحوث ونحن ندرك أن حركة النشر في بلادنا ماتزال ضعيفة؛ فكيف بها خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي؟
ولكنه من  المؤكد أن بحوث طلاب مدرسة التكوين العليا وجامعة نواكشوط والمعهد العالي للدراسات البحوث الإسلامية قد أسهمت منذ ثمانينيات القرن العشرين في سد النقص الحاصل في البحوث المتعلقة بمختلف مناحي الحياة الوطنية، بل أنها لعبت دورا كبيرا في إنقاذ تراثنا الوطني، خاصة مخطوطاتنا المهددة بالضياع وأعلامنا الذين كان سيلفهم النسيان لولا تلك الأعمال الرائدة.
* حفظ التراث مسؤولية الجميع*
لاشك أن حفظ التراث مسؤولية الجميع، فأي شعب  لا يعتني بماضيه لا مستقبل له، وإن بناء الدول لا يتم إلا بالاستفادة من تراكم التجارب، لذلك فإننا نحتاج إلى الاهتمام أكثر بتراثنا الوطني لتكوين الذاكرة الوطنية التي تتطلب تجميع كل الوثائق والبحوث وكذلك الأشرطة والأفلام والصور.
وإن المسؤولية الكبرى تقع على الدولة ثم على الباحثين والمهتمين وكذلك على كل الهيآت المعنية. وإن حفظ تراثنا وإنقاذه مسؤولية الجميع.
وأعتقد أن تاريخنا المعاصر ينقسم إلي حقبتين: حقبة الاستعمار من 1900 إلى 1960 ويوجد أغلب وثائقها في السنغال أو فرنسا وتلزم استعادتها. أما الحقبة الثانية فوثائقها ـ إن لم تكن قد ضاعت- موجودة في موريتانيا.
ولا بد من وجود إرادة صادقة وجادة للعناية بهذا التراث، ثم توفير الظروف الملائمة لتوثيقه؛ وذلك باستخدام التقنيات الحديثة التي سهلت كثيرا ظروف الحفظ والاستغلال.
في هذا السياق أرى ضرورة إنشاء مشروع وطني لحفظ التراث تموله الدولة من ميزانيتها ويقوم بجمع ومركزة كل الوثائق على المستوي الوطني، وتسهيل استغلالها.
إن في ذلك خدمة جلية لهذا الوطني.. وإن أي تأخر أو تباطؤ في هذا المجهود يعني ضياع المزيد من هذا التراث وغياب الرجال الذين يحفظونه.
فهل نبادر إلى هذا العمل الوطني قبل فوات الأوان ؟!
محمد الحافظ بن محم
 
ملحق:

 الأستاذ احمدو ولد احميد مؤسس أرشيف "الشعب "

كنا في فترة عملنا معه نخاطبه "بالأستاذ"، فإذا قيل "الأستاذ" في جريدة "الشعب" فذلك يعنى الأستاذ أحمدو ولد احميد.. كنا نتجمع حول الأستاذ عدة مرات في النهار يفيدنا وينصحنا ويقوي من عزائمنا في ظل الظروف الصعبة للعمل الصحفي في ذلك الوقت.
يملك الأستاذ أحمدو تجربة غنية في الحياة وقسطا وافرا من العلوم وأخلاقا فاضلة جعلته يألف ويولف. التقيت به أول مرة في أواخر سنة 1974 بمكاتب جريدة "أخبار نواكشوط" التي ورثتها جريدة " الشعب" فقد كلفته الإدارة يومها بالإشراف على المسابقة التي اكتتبت على أساسها وتوطدت علاقتي به على مدى عقد ونصف بعد ذلك قبل أن يختاره الله إلى جواره في سنة  1989.
الأستاذ أحمدو ولد احميد هو مؤسس أرشيف جريدة "الشعب" وقد وضعه على الأسس الدولية للأرشفة بفضل خبرته وبفضل أحد الخبراء الدوليين أرسلته اليونسكو لمساعدة "الشعب" في تنظيم أرشيف صحفي مهني. وكان الأستاذ نفسه مرجعا أساسيا للصحفيين، نظرا لثقافته الواسعة وتجربته التي كسبها في جولاته الخارجية وعمله المبكر بالإذاعة الوطنية.
ولد الأستاذ أحمدو فى ابير التورس سنة 1920 وتلقى تكوينا محظريا جيدا مكنه من تحصيل رصيد معرفي مهم من العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية.
بدأ سنة 1951 رحلة قادته إلى مختلف دول غرب إفريقيا قبل أن يطيب له المقام بجمهورية السودان، حيث زاول التدريس في معهد للعلوم الشرعية في بور سودان.
قفل راجعا إلى بلاده حينما علم أنها حصلت على الاستقلال سنة 1960.
مارس العمل الصحفي بالإذاعة الوطنية حيث كان يعد أقدم وأشهر برامج تلك الفترة وهو برنامج "الحضارة والنظام" واستمر في إعداده سنوات قبل أن يلتحق بأسرة جريدة "الشعب" الأسبوعية سنة 1968 وبقي يعمل فيها كاتبا إلى أن تأسست جريدة "الشعب" اليومية سنة 1975 حيث عين مسؤولا عن الأرشيف وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن توفي رحمه الله في الـ17 نوفمبر 1989.    

0 التعليقات:

إرسال تعليق