Ads 468x60px

أقسام المدونة

الثلاثاء، 14 مايو 2013

شاهد من أهل الشعب (15): سنة 1981 جريدة "الشعب" تتعثر.. والبلاد تشهد أول محاولة انقلابية دموية

الحلقة الخامسة عشر
البلاد تشهد أول محاولة انقلابية دموية
عرفت موريتانيا في سنة 1981 اضطرابات سياسية مقلقة، حيث شهدت أول محاولة انقلابية دموية في الـ 16 مارس، واحتدم الصراع بين الحركات السياسية، وبدأ التحضير لإنشاء ما يعرف "بهياكل تهذيب الجماهير".. وفي ظل ذلك عانت جريدة "الشعب" من مشاكل فنية أدت إلى اضطراب صدورها.
متاعب جريدة "الشعب"
في يناير 1981 عينت رئيسا لتحرير جريدة "الشعب" – الطبعة العربية – بعد أن قضيت خمس سنوات ونصف السنة رئيسا للقسم الوطني وهو المنصب الذي توليته لدى انطلاقة "الشعب" في يوليو 1975.
طاقم جريدة "الشعب" لدى تولي لمهام رئاسة التحرير يتكون من (10) محررين فقط – بمن فيهم رؤساء الأقسام-، ولا أتذكر أن لدينا محررين متعاونين – غير رسميين-.
وجريدة "الشعب" يومئذ تصدر عن الشركة الموريتانية للصحافة والطباعة التي تحوي كذلك مؤسسة المطبعة الوطنية الحالية.. ويتولى إدارة هذه المؤسسة في ذلك الوقت السيد/ الخليل النحوي المعين مديرا عاما في الـ 21 يوليو 1980..
لدى تشخيصه لحال هذه المؤسسة وجد السيد الخليل النحوي، الذي هو أول رئيس لتحرير جريدة "الشعب" اليومية سنة 1975،.. وجد أن تراكم المشاكل الفنية والمالية في السنوات الست التي انقضت من عمر المؤسسة سيؤدي إلى انهيارها..
لذلك فقد أطلق "صرخة استغاثة" من خلال تقرير مفصل قدم لمجلس الوزراء في الـ 12 يناير 1981 واعتبر فيه أن "الوضع المالي والفني للشركة الموريتانية للصحافة والطباعة سيء جدا، واقترح العديد من الإجراءات لإصلاح الشركة، وتبنت الحكومة بعضها إلا أن الوضع السياسي المضطرب شغل عن أي إصلاح..
واستمرت الصعوبات الفنية والمالية لهذه الشركة طيلة هذه السنة، على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها إدارتها..
ونقرأ في تقرير للمدير العام مقدم لاجتماع مجلس الإدارة في الـ 8 دجمبر 1981 أن "الشركة الموريتانية للصحافة والطباعة مرت في الأشهر الماضية بأزمة خانقة تمثلت في تراكم الديون (نحو 100 مليون أوقية) وانهيار معامل المطبعة (85% من الطاقة الإنتاجية) واضطراب مواعيد صدور الجريدة".
ويوضح هذا التقرير بروز مؤشرات للتحسن في هذه الأوضاع تمثلت في انتظام صدور "الشعب" الفرنسية يوميا، بينما بقيت "الشعب" العربية تصدر بدون انتظام.
ويبرز هذا البيان أن الطاقم الصحفي "للشعب" قد تفرغ لإعداد رصيد من المواد الصحفية وتقدر هذه المواد الجاهزة بنحو (70) موضوعا تغذي (100) صفحة.. وهو رصيد كاف لتغطية احتياجات الجريدة من المواد الثقافية وأركان الرأي وبعض التحقيقات لفترة (3) أشهر"..
خلال هذا الشهر (دجمبر 1981) جرت تعديلات في الإعلام، عين بموجبها السيد/ حبيب الله ولد عبدو مديرا عاما للشركة الموريتانية للصحافة والطباعة خلفا للسيد/ الخليل النحوي الذي عين مديرا للصحافة المكتوبة والعلاقات الخارجية.
كانت هذه هي أوضاع المؤسسة في سنة 1981 وقد انتظمت "الشعب" العربية في الصدور خلال الفصل الأول من السنة، أما في الفصول الأخرى فقد اضطرب صدورها، مع أن كل الأعداد الخاصة صدرت في أوقاتها المناسبة.
وبالفعل فقد ركز طاقم الجريدة على إعداد رصيد ثمين من المواد الصحفية، واحتراما لتعهداتها مع القارئ، فقد نشرت "الشعب" على صدر صفحاتها الأولى يوم الـ 11 مارس 1981 مقالا حول الصعوبات التي تعانيها تحت عنوان: "الشعب تبث شجونها".
ومن المؤسف أنه لا يوجد في أرشيف الوكالة الموريتانية للأنباء إلا المجلد الأول من سنة 1981 بينما لم توثق -على ما يبدو – الأعداد التي صدرت في الأشهر التسعة الأخرى من السنة، ولو كانت غير منتظمة.
*المحاولة الانقلابية في الـ16 مارس:*
ولعل أبرز حدث شهدته الساحة الوطنية خلال سنة 1981، وكانت له تداعيات داخليا وخارجيا، هو المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت يوم الـ 16 مارس بقيادة المقدم محمد بن عبد القادر والمقدم أحمد سالم ولد سيدى.
وعلى الرغم من مضي (32) سنة على هذه المحاولة فلا تزال هناك أسئلة محيرة بشأنها ومن أبرزها: هل جاءت هذه المحاولة كردة فعل على سقوط طائرة المقدم أحمد ولد بوسيف مايو 1979 ؟ ولماذا تمرد هؤلاء الضباط بالذات على حكم المقدم محمد خونا ولد هيداله؟ ولماذا خذلتهم جبهتهم الداخلية من العسكريين؟ وما هو السر وراء الرحلة المفاجئة للمقدم محمد خونا ولد هيداله فجر نفس اليوم إلى ازويرات بدل ترؤس اجتماع اللجنة العسكرية للخلاص الوطني بكامل أعضائها الذي كان مقررا في ذلك اليوم؟!
هذه المحاولة جرت ضحوة يوم الاثنين الـ 16 مارس1981 حينما دخل هؤلاء الضباط ورفاقهم نواكشوط، واقتحموا رئاسة الجمهورية والإذاعة والقيادة العامة للأركان وسيطروا في البداية على كل هذه المرافق الحيوية، لكنهم ما لبثوا أن فشلوا بسبب عدم تجاوب العسكريين معهم.. واستمر دوي إطلاق النار عدة ساعات في نواكشوط، وسقط (8) قتلى أعلن الحداد عليهم ثلاثة أيام.. وأعلنت موريتانيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب..
وجرت في قاعدة (اجريدة) محاكمة منفذي هذه المحاولة، وقد حضرت الجلسة الأولى لهذه المحاكمة برئاسة المرحوم الشيخ ولد بيده رئيس محكمة العدل الخاصة؛ وحضرها جميع المحامين الموجودين في نواكشوط (وأعتقد أن عددهم يومها لا يتجاوز 15 محاميا).. وتم استدعاء جريدة "الشعب" لحضور هذه المحاكمة (في اليوم الأول كان معي الزميل الب ولد الطلبه من "الشعب" الفرنسية والمصور جيبي جالو، وحضر الجلسات الموالية الزميل الشيخ ولد لوداعه منتدبا من "الشعب" العربية).. وفريق جريدة "الشعب" هو الفريق الوحيد من الصحفيين الذي سمح له بحضور هذه المحاكمة..
كان الجو رهيبا في تلك القاعدة العسكرية، حيث وضعت الأغلال في أيدي كل واحد من هؤلاء المتهمين الذين يتم استجوابهم من طرف المحكمة واحدا تلو الآخر..
في اليوم الأول لم يسمحوا للفريق الصحفي من "الشعب" بدخول قاعة المحاكمة، ولكنهم سمحوا لنا بالجلوس خارجها، بحيث نسمع كل ما يجري داخلها.. ولم يسمحوا كذلك لنا بالتصوير.
حكمت هذه المحكمة يوم الـ 24 مارس 1981 على أربعة من منفذي هذه العملية بالإعدام، وقد نفذ فيهم الحكم بسرعة وهم:
- المقدم محمد بن أباه بن عبد القادر
- المقدم احمد سالم بن سيدي
- الملازم نيانغ مصطفى
- الملازم أول محمد ولد دودو سك
كما حكمت المحكمة بالسجن المؤبد مع الأعمال الشاقة على خمسة آخرين.
بدأ النظام بعد هذه المحاولة حملة اعتقالات واسعة في صفوف المتهمين بمعارضته، وتم حل الحكومة المدنية وتواصلت الحملات الإعلامية ضد المغرب..
عرفت "الشعب" خلال سنة 1981 بعض المتاعب، وعانت البلاد من ظروف مضطربة، ومع ذلك لم نفقد الأمل، فكنا مصممين على رفع كل التحديات.. وكنا نعد لانطلاقة جديدة لجريدة "الشعب".
ولكن الله أراد لنا أمرا آخر، والخير فيما اختاره الله.
{وما تشاءون إلا أن يشاء الله}..
محمد الحافظ بن محم        

1 التعليقات: