Ads 468x60px

أقسام المدونة

الجمعة، 26 فبراير 2016

أحمد البدوي بن محمدا ودوره في نشر السيرة النبوية

عرف عن الشناقطة –قديما وحديثا- إقبالهم على سيرة النبي المصطفى عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم لغ
رس محبته عليه الصلاة والسلام في النفوس التي هي شرط الإيمان، ففي الحديث "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"..
وممن برز من العلماء الموريتانيين في خدمة السيرة النبوية العلامة أحمد البدوي بن محمدا المجلسي الشنقيطي (1158هـ -1208هـ) الذي اشتهر بأنظامه: نظم الغزوات، ونظم عمود النسب، ونظم الفتوحات.. فقد انتشرت هذه الأنظام في المحاظر الموريتانية قبل أن تصل إلى المشرق العربي وتنال إعجاب علمائه، على الرغم من أن صاحبها لم يرحل من بلاده؛ فهذا عالم عراقي يجزم بأن : من أراد تذوق محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتدبر سيرته فليحفظ أنظام البدوي.
حياة البدوي وأثر أنظامه في المشرق العربي يتناولها الكاتب المتمرس والباحث المقتدر محمد محفوظ بن أحمد في كتاب جديد له عنوانه: "أحمد البدوي بن محمدا حياته ودور أنظامه في نشر السيرة النبوية وغرس محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأثرها في المشرق".

*رحلة ماتعة مع البدوي*
يقع هذا الكتاب في (287) صفحة من الحجم المتوسط وهو من منشورات مؤسسة المؤلف "تقنية المعلومات والنشر" الطبعة الأولى 1437هـ - 2016م.
قدم لهذا الكتاب الدكتور الخليل النحوي الذي ذكر بأن أنظام البدوي كانت من بواكير النصوص التي درسها على والدته القانتة بعد استيفائه حفظ القرآن الكريم، وقال إن المؤلف يحملنا "في رحلة ماتعة مع البدوي في سجايا طبعت حياته وخصال ميزت مسيرته، فنتعرف عليه في ولعه بالكتب وعيناه تفيضان حزنا ألا يجد منها بغيته، ونتعرف عليه في نبوغه المبكر، يوم نصح أحد العلماء بتأديبه لنظمه عمود النسب وهو حدث، صغير السن، ونطرب مع الذين طربوا وهو يحرك سواكن النبي صلى الله عليه وسلم في حنايا القلوب ببدائع نظمه".
ويبرز الأستاذ الخليل أن المؤلف قد أحرز سبقا بما كشف من معلومات عن أثر نظم عمود النسب في بغداد بل في المشرق العربي عموما، وكذلك بعثوره على شرح العلامة سيدي عبد الله بن انبوجه لنظم عمود النسب، الذي تمكن الباحث سيدي أحمد بن الأمير من الوقوف على أجزاء منه في المكتبة الوطنية الفرنسية، ضمن المكتبة العمرية الني نهبها الفرنسيون.
ويرى مقدم الكتاب أن المؤلف مشغول بثنائية "التصوف والسلفية" وأن هذه الثنائية عند البدوي نفسه وهمية؛ فالبدوي ذاك الصوفي السلفي هو الذي عقد مقوله القوم "رأس الكرامة الاستقامة"، والشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي هو القائل: "لا طريق لنا إلى الله إلا ما شرعه".
*لترسيخ محبة المصطفى عليه الصلاة والسلام*
أما الباحث محمد محفوظ فيؤكد في مستهل مقدمته لهذا الكتاب أن الباعث إلى تأليفه "هو أولا محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم خدمة خدام الجناب النبوي".. ثم إنه من دوافع هذا التأليف ترسيخ محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم في النفوس بعدما ظهر مؤخرا من إساءة إلى ديننا وإلحاد في سيرة نبينا الأعظم عليه الصلاة والسلام.
ولقد أراد المؤلف كذلك جمع ونشر ترجمة وافية للعلامة أحمد البدوي، خاصة بعد اكتشافه لشرح مستفيض لأحد أعلام المشرق هو محمود شكري الألوسي البغدادي (1273هـ - 1342هـ) على نظم عمود النسب.. وكذلك اكتشاف شرح لنفس النظم لسيدي عبد الله بن محمد الصغير بن انبوجه التيشيتي (1247هـ - 1300هـ).
ويقول المؤلف في ذلك: "لقد تحقق لنا مؤخرا اكتشاف شروح مهمة لبعض أنظام أحمد البدوي؛ منها شرح مستفيض لأحد أعلام المشرق وعلمائه المشهورين هو محمود شكري الألوسي البغدادي العراقي (1857-1924م) على نظم عمود النسب. صدره بالإشادة بهذا النظم والاستدلال به على علم وفضل علماء البلاد الموريتانية.
واكتشفنا كذلك شرحا آخر لنفس النظم، لأحد علماء بلادنا من أقصى مشرقها، هو سيدي عبد الله بن محمد الصغير بن انبوجه التشيتي (1832-1883م). وهو شرح ضخم أجاد فيه وأفاد، وبسط الأقوال، وجمع الآراء والأنقال. ولكن مع ذلك لم يُذكر هذا الشرح من قَبل، ولم تعرف حقيقته بسبب نهب الفرنسيين له ضمن كثير من مخطوطات آل انبوجه وغيرهم.
*الدرة الشنقيطية التي بهرت علماء المشرق*
إنها منظومة عمود النسب للعلامة أحمد البدوي بن محمدا المجلسي الشنقيطي. منظومة تنصب أصلا على التعريف بنسب النبي  صلى الله عليه وسلم ونسب الأنصار، كما عبر عن ذلك مبدعها رحمه الله بقوله في أولها:
عِلـمُ عَمُـودِ نَسَــبِ الْمُخْتَارِ** ثُــمَّ عَمُــــودِ نَسَــبِ الأَنصَارِ
وقوله في ختامها:
هُنَا انتَهَى مُهِمُّ سِلْكَيِ النَّسَبْ ** وَالْحَمْــدُ لِلَّهِ عَلَى نَيْلِ الأَرَبْ
بهر هذا الرجز البديع العلامة محمود شكري الألوسي وتلامذته وأسرهم بجمال نظمه، وحسن سبكه، وجزالة لغته، وبلاغة معانيه، وثراء إحالاته وإشاراته، وصحة روايته، ودقة تصويره لحياة العرب وأيامها وأعلامها...
يقول الألوسي في مقدمة شرحه: "... منظومة بديعة، وأرجوزة كأنها عقود جمان تتحلى بفرائدها وفوائدها الأفواه والآذان، لم يُسبق ناظمها إلى مثلها في علمها وعملها، سماها عمود النسب (...) فهي درة لم تثقب وغرة من غرر الأدب".
ويعلق عراقي آخر هو العلامة بهجة الأثري (1904- 1996م) المعروف في المشرق براهب اللغة العربية، على ما سمعه وشاهده من عناية العلماء الشناقطة بهذه المنظومة وحفظهم لها بقوله بعدما درسها: "وحق لهم ذلك؛ كيف لا وقد احتوت على فوائد وفرائد ونوادر وشوارد من أخبار العرب الكرام في الجاهلية والإسلام، وتفصيل الكلام في أنسابهم وأطوارهم وذكر مشاهيرهم وجهابذتهم من كرام وأجواد وفرسان وكماة وعلماء إلى غير ذلك مما يعز وجوده في كتاب".
*البدوي ومكانته العلمية*
يتضمن الكتاب تعريفا كاملا بالعلامة أحمد البدوي بن محمدا، وهو تعريف مست الحاجة إليه نظرا لانتشار أنظام الرجل وتلقيها بالقبول والدراسة والتعليق، ونظرا لكونه لم يعرف بنفسه ولم يترجم لها في مقدماته، جريا على عادة السلف في التواضع ونكران الذات.
أما عن مكانته العلمية فقد جاء في الدراسة الجديدة: "غالبا ما يؤثر التخصص في الحكم العام على الأشخاص؛ فيشتهرون بمجال علمي دون مجالات أخرى قد يكونون أعلم بها وأرسخ قَدما فيها من ذلك المجال. وقد اشتهر أحمد البدوي بعلم الأنساب والسيرة النبوية عموما، وطغت على سواها من فنون العلم الأخرى التي برع فيها؛ خاصة النحو والصرف والفقه والقرآن والحديث والأدب...
هذا ولا يبعد أن تكون للبدوي مصنفات أخرى، وفي فنون أخرى، ضاعت أو لم تدون أصلا (كبعض الأنظام التي تُتداول حفظا). لكن مما لا ريب فيه أنه كان عالما موسوعيا وحافظا كاملا، كما اعترف له بذلك الأجلة الأعلام من معاصريه ومن المتأخرين.
يقول عنه تلميذه حماد بن الأمين في شرح نظم الغزوات عند قوله:
وشَــــدَّ ما اجْترأتُ في ذا الهدفِ * إذ لم أكن أهلاً لصوغ النُّتَفِ
"... وهذا منه ـ رحمه الله ـ تواضع وهو عادة المؤلفين قبله، لاسيما هو سجيته التواضع حياتَه واحتقار نفسه؛ ولولا ذلك لشدت إليه الرحال من كل أرض، وهو محطها في العلم، لاسيما علم النحو والعربية والأدب، بل والكتاب والحديث والفقه".
ويقول العلامة عبد القادر بن محمد بن محمد سالم المجلسي (1825-1918م): "... كان بارعا في علم النحو يعتمد عليه فيه أهل عصره... وهو من أجود الناس شعرا ومن أقدرهم على الشعر. ويكفيه أن تأليفه هذا (نظم الغزوات) عكف عليه أهل هذه الناحية وتلقوه بالقبول".
ويقول عنه أحمد ابن الأمين العلوي في الوسيط: "هو العالم الكبير والنسابة الشهير... وهو الذي أحيا أنساب العرب بنظم عمود النسب... ومن تأمل نظمه علم سعة اطلاعه واقتداره في ذلك الفن. ونظم أيضا غزوات النبي صلى الله عليه وسلم نظما جيدا يدل على تبحره في السيرة".
ويقول عنه الطالب محمد بن أبي بكر البرتلي الولاتي (في فتح الشكور) بعد الإشادة والثناء على نظميه في المغازي وأنساب العرب: "... وهما يدلان على تبحره في السيرة والأنساب".
وغير بعيد من هناك يشيد عبد الله بن سيدي محمد بن محمد الصغير بن انبوجه العلوي التشيتي بالناظم ومكانته العلمية. ويذكر في شرحه المطول لنظم عمود النسب إمامة البدوي في هذا العلم، ويصرح باجتبائه لذلك الرجز منهجا لتدريس فنه في تشيت وأﮊواد، حيث ذكر عدة مرات أنه قرأه "على شيوخ أكابر". ويقول إنه طالع عشر نسخ منه. وقد نسخه بخطه الجميل مرتين على الأقل. كما يذكر أيضا بنفس الإعجاب نظم الغزوات للناظم، وقد شرحه أيضا شرحا سماه "الجواهر السنية في شرح المغازي البدوية".
أما في أقصى المشرق العربي فقد لفت نظما أحمد البدوي أنظار من طالعهما من العلماء والطلاب، وسحرا منهم الألباب، ولقيا التنويه والإعجاب، والإشادة بهذه البلاد الشنقيطية وما وصلت إليه بواديها من إنتاج علمي وإبداع فكري، كما رأينا أعلاه مع شكري الألوسي، وبهجة الأثري، وحسن المشاط.
ويقول حسن بن محمد بن عباس المشاط المنافي المكي (1899-1979م) في شرحه لنظم الغزوات لأحمد البدوي، بعد إبداء أسفه على عدم إسعاف المراجع الشنقيطية له بمعلومات عن شخصية الناظم: "... ومنظومتنا هذه [الغزوات] هي فصل الخطاب والآية في الإعجاب، لا تدع شاذة ولا فاذة من عيون المغازي إلا أتت عليها، بأبدع أسلوب وأسلس تعبير. فهي الفريدة في بابها الممتعة لطلابها، ترفل في أثواب حسنها، مدبجة بكلام الحفاظ والمهرة من نقدة هذا الشأن".
*مساهمة في نشر التراث الوطني*
ولا شك أن نشر هذه الدراسة سيفيد الباحثين والمهتمين بتراثنا الوطني لما تضمنته من معلومات مهمة عن هذا العالم الجليل وآثاره ولما أبرزت من مكانة للعلماء الشناقطة في مشرقنا العربي.. وللمؤلف الباحث محمد محفوظ بن أحمد مساهمته المتميزة في إحياء هذا التراث الوطني حتى الآن وذلك بنشره لعدد من الكتب أبرزها شرح نظم ورقات إمام الحرمين للشيخ سيدي محمد بن سيدي المختار الكنتي للعلامة الفقيه محمد يحي الولاتي؛ وشرح حماد بن الأمين على نظم عمود النسب مع تكملة الشيخ اباه بن محمد عال بن نعمه (رياض السيرة والأدب في إكمال شرح عمود النسب)، والجليس المؤنس في تاريخ وأنساب المجلس لمؤلفه اباه بن محمد عال بن نعمه.. وقد جمع الباحث محمد محفوظ وحقق ونشر نظم ألفية ابن مالك مع أحمرار ابن بونا وأنظام وفوائد الطرة للعلماء الموريتانيين، ونشر كتابه: مكانة أصول الفقه في الثقافة المحظرية الموريتانية، ونشر كتاب نزهة المعاني في علمي البيان والمعاني لسيدي عبد الله بن رازكة، تحقيق وتعليق المرحوم جمال ولد الحسن.. ونشر كذلك نظم الشهداء للعلامة لمرابط بن متال.. كما نشر أنظاما تعليمية في السيرة والمغازي.
وإلى المزيد من المساهمة في إحياء تراثنا الوطني وبارك الله في جهود زميلنا محمد محفوظ بن أحمد.

ببكر في 21 فبراير 2016

عرض: محمد الحافظ بن محم

1 التعليقات:

  1. بارك الله فيكم وشكر سعيكم الميمون وإسهامكم الدائم والمعروف للجميع في تأسيس الصحافة الجادة والإعلام المهني البناء الذي يعرف كيف يخترق الحواجز السياسية الغبية وكيف يقهر انعدام الوسائل المادية والفنية... إن مسيرتكم في جريدة الشعب منذ تأسيسها، واستطاعتكم الحفاظ عليها وجعلها، إبان رئاستكم تحريرها، منبرا لنشر وتشجيع الأقكار البناءة الأصيلة واكتشاف الأقلام المتميزة، لن تضيع ولن تنسى ، فهي خالدة إن شاء الله. دام عطاؤكم ومتعكم الله بالعمر الطويل والصحة والعافية

    ردحذف