Ads 468x60px

أقسام المدونة

الخميس، 3 مارس 2016

دروس المحظرة الشنقيطية في المجالس الكويتية

اشتهر العلماء الشناقطة بالمشرق العربي بما نشروا من العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية.. وقد "قاموا بأعمال جليلة في
خدمة لسان العرب والقرآن الكريم" -حسب تعبير الدكتور محمد المختار بن اباه- وجلس العلماء الشناقطة للتدريس في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي القاهرة.. وفي غيرها.
وبلغ هذا الحضور العلمي المتميز للشناقطة أوجه في القرن الـ 12 ومستهل القرن الـ 13 الهجريين.
وأثرت ظاهرة الاستعمار على هذا الحضور بدون شك، إلا أن الساحة المشرقية لم تخل من علماء شناقطة متميزين ساهموا في نشر العلم والمعرفة بتلك الربوع.
وبين أيدينا كتاب يبرز الأثر العلمي الطيب الذي تركه أحد علمائنا المعاصرين في دولة الكويت الشقيقة ألا وهو الدكتور محمد عبد الله (الملقب بوميه) بن محمد سعيد بن ابياه أطال الله بقاءه.
عنوان هذا الكتاب هو "الأمالي اللغوية في المجالس الكويتية"، وهو يحوي دروسا أملاها الأستاذ بوميه على طالبيه في مجالس كان أولها يوم 23 مارس 1998 وآخرها يوم 13 مايو 2012 في مسكنه بالكويت وبلغت 46 مجلسا، وشملت هذه الدروس: قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه (بانت سعاد) وقصيدة الشنفري عمرو بن مالك الأزدي المعروفة بلامية العرب، والمعلقات السبع لامرئ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد العامري رضي الله عنه، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد، وحارث بن حلزة اليشكري.
قام بتقييد هذه الدروس الدكتور وليد عبد الله عبد العزيز الميس.

*إنتاج شنقيطي – كويتي مشترك*
ولا يخفى أنه لو أعيد نشر هذا الكتاب لاخترنا له كعنوان "دروس المحظرة الشنقيطية في المجالس الكويتية" حتى نذكر اسم الكويت و شنقيط في هذا الإنتاج العلمي المشترك.
ولا ننسى أن العالم الشنقيطي الجليل محمد الامين بن فال الخير الحسني (المتوفى سنة 1923م) كان قد جلس للتدريس في الكويت في مستهل القرن العشرين، إلا أنه اضطر لمغادرتها بسبب موقفه المعارض للإنجليز، وقد دعي بعد ذلك لزيارة الكويت من أجل تكريمه والاعتذار له وذلك عام 1334هـ، وكانت لهذا العلم صلات بحكام الكويت.
ولا ننسى كذلك أن مجلة العربي الكويتية كان لها السبق في التعريف بموريتانيا ومكانتها الثقافية وذلك في ستينيات القرن الماضي، وقد أطلق أحد كتابها على موريتانيا تسمية "بلد المليون شاعر" من خلال أحد استطلاعاتها عن بلادنا.
*ثمرة عشر سنوات*
أما بخصوص الكتاب فهو يقع في (544) صفحة في ورق جميل وطباعة أنيقة وغلاف ملون.. وهو من إصدارات مجلة "الوعي الإسلامي" التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدولة الكويت لسنة 1436هـ - 2015م.
وجاء في تصدير هذا الكتاب بقلم رئيس تحرير مجلة الوعي الإسلامي فيصل يوسف أحمد العلي أن "الأمالي من أهم مجالس طلب العلم، حيث كانت من طرائق العلم عند العلماء.. ورحم الله القائل:
العلم صيد والكتابة قيد *** قيد صيودك بالحبال الواثقة
وأضاف أن المجلة لما رأت هذا الكتاب ارتأت أن يكون من ضمن إصداراتها العلمية والأدبية المتنوعة؛ وهو الإصدار رقم (101) لهذه المجلة.
أما مقدمة هذا الكتاب فقد ذكر فيها المؤلف أنه جمع في هذا الكتاب ما وسعه "من الأمالي والمجالس مما أملاه شيخنا العلامة الأصولي الأديب الحافظ بوميه محمد سعيد الشنقيطي في فترة دامت أكثر من عشر سنوات في الكويت، سجلت فيها بقلمي ما سمعته من عيون الشعر واللغة والأدب من الشيخ بحضور الأخ د ياسر ابراهيم المزروعي لهذه المجالس كلها".. وبين ماهية الأمالي والمجالس.
*صاحب الأمالي ومنهجه*
وعرف المؤلف بصاحب الأمالي مبينا أنه ولد عام 1373هـ في شنقيط (أي بلاد شنقيط)، ودرس في المحاظر الشنقيطية، وحصل على الماجستير والدكتوراه من المغرب، "أقام في الكويت 12 عاما كان خلالها مقصدا لطلاب العلم من أساتذة ومشايخ، وكان كثير الفوائد والعوائد، كريم الطبع، لا يبخل بعلمه ووقته على أحد فنفع الله بعلمه، واستفادت منه الكويت كثيرا، وقد عمل في لجنة الموسوعة الفقهية الكويتية، وعمل باحثا مستشارا في القطاع الفني لوزارة الأوقاف، ثم استدعي مؤخرا ليعمل مستشارا لرئيس بلاده فعاد إلى وطنه".
وأورد المؤلف نماذج من شعر الأستاذ بوميه، قبل أن يقدم نبذة عن منهجه، حيث امتازت هذه الأمالي بالوفرة والغزارة الأدبية واللغوية، والتدرج في تفصيل الأبيات والشواهد، وذكر الآيات والأحاديث وبعض الأحكام المعززة للمعاني، كما امتازت بحضور ذهن الشيخ بوميه وقوة حفظه وتمكنه من ربط الأبيات والمعاني بعلم اللغة والأدب والبلاغة، وكذلك إسقاط الأبيات والمعاني على الواقع، واستعمال الرسم باليد إن دعت الحاجة إلى ذلك، وحرص الشيخ على مراجعة الأبيات مع طلبته حيث يسمع منهم ما تم حفظه، ويذكر لهم أحسن المطبوعات والنسخ المحققة.. كما امتازت هذه الأمالي بالالتزام بالموعد فهذا الشيخ حريص على الموعد والوقت، وكذلك حريص على إكرام من يحضرون مجلسه حيث يوفر لهم "ألذ المشارب خاصة الحليب المحلي بالصمغ العربي على طريقة أهل شنقيط".
*مجالس قل مثيلها*
ويخلص المؤلف إلى أن "هذه المجالس قل مثيلها في الكويت إن لم أقل كاد ينعدم" ويورد المؤلف سبب تسمية شيخه بأبي ميه، ذلك أنه مرض مرضا شديدا في صغره فقال جده: يطول عمره إلى مائة فغلب اللقب على تسميته.
ويورد المؤلف كذلك توطئة لهذه الدروس نقلا عن الأستاذ بوميه حول أهمية الشعر العربي في دراسة اللغة العربية، ويعدد خطوات التنمية اللغوية في دراسة الشعر العربي، بدءا بإجازة البيت من حيث التصحيح، ثم شرح المفردات، فالمعنى الإجمالي للبيت، قبل إسقاط البيت على الواقع مع تغيير ما يجب تغييره، وأخيرا التطبيقات اللغوية، ويختم المؤلف ما كتب تقديما للمجالس بضوابط الاستشهاد في علوم اللغة العربية نقلا عن الشيخ بوميه.
ونشر المؤلف صورة من إجازة الأستاذ بوميه لطالبيه وكذلك نموذج من خطه.
*محتوى الأمالي*
تبدأ هذه الدروس بقصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه : بانت سعاد التي ألقاها بين يدي النبي الكريم وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وتنتهي بمعلقة الحارث بن حلزة اليشكري.
وطريقة الأستاذ في هذه الدروس أنه يشرح القصيدة بيتا بيتا بادئا بشرح المفردات ثم بالمعنى الإجمالي مراعيا في ذلك الاختصار غير المخل.. وكثيرا ما يستشهد بآيات من القرآن الكريم وبأحاديث نبوية وبأبيات من الشعر، ويورد بعض الحكايات ويستعمل بعض الرسوم لتوضيح المعنى.
وقام المؤلف بوضع فهارس تبرز قيمة هذا الكتاب، بدأها بفهرس للآيات القرآنية التي بلغت (138) آية، ثم بالأحاديث النبوية والآثار التي بلغت (62) حديثا، أما شواهد الشعر والمنظومات فقد بلغت (150) شاهدا، ووردت في الكتاب (52) فائدة أدبية ولغوية، أما الأعلام الذين ورد ذكرهم فقد بلغوا (121) علما، وورد اسم (88) مكانا وموضعا، وبلغت الرسوم عشرة، والمصادر والمراجع (66) مرجعا.
*قراءتي لهذا الكتاب*
لقد قرأت هذا الكتاب بتأن وقرأته مكتشفا، لأنني من ذلك الجيل الذي دخل المدرسة العصرية مبكرا دون أن يحظى بدراسة محظرية مناسبة، وقد تربينا في هذه المدارس على أن لغة الشعر الجاهلي لم تعد مستعملة، لذلك لا داعي لحفظ هذا الشعر كما كان آباؤنا يفعلون.. وهكذا فقد اكتشفت من خلال هذا الكتاب أن هذا الشعر جميل وممتع لمن فهمه، وفيه الكثير من الحكم المهمة للحياة، وظهر لي فيه ما نتيقنه من إعجاز للقرآن الكريم؛ فالكلمة أقرؤها في بيت من الشعر الجاهلي ولا أفهمها وحينما يستدل الشيخ عليها بآية من القرآن الكريم فإذا هي واضحة المعنى.
ويظهر من خلال هذا الكتاب غزارة علم هذا الشيخ، وجودة منهجه في التدريس، حيث أنه زاوج بين التعليم التقليدي والتعليم العصري؛ فقد أورد رسوما توضيحية وتبنى الشروح المختصرة والدقيقة، ولو كان بالإمكان الاستغناء عن شيخ لدراسة هذه المعلقات لكان هذا الكتاب كافيا لمن قرأه؛ ولكن الشيخ بوميه أورد في مجلسه الأول أن العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من بطون الكتب.
وهذا الكتاب هو بكل تأكيد معين على دراسة تسعة قصائد من عيون الشعر العربي، وفق منهجية علمية رصينة، في (46) مجلسا فقط..
وشكر الله سعي الشيخ بوميه وطالبه الدكتور وليد عبد الله عبد العزيز الميس والقائمين على مجلة الوعي الإسلامي الكويتية على ما بذلوا من جهد لإصدار هذا الكتاب القيم خدمة لقراء اللغة العربية.
ببكر 24 يناير 2016
عرض: محمد الحافظ بن محم

0 التعليقات:

إرسال تعليق