Ads 468x60px

أقسام المدونة

الأحد، 9 سبتمبر 2012

رحلة الحج المباركة(2)


رحلة الحج المباركة(2):
*نواقص التنظيم لا تخفي التحسن الملحوظ
* إنشاء مفوضية خاصة بالحج أمر ملح

تناولت في مقال سابق ما طرأ على ظروف الحج بشكل مجمل في موسم  1432هـ (2011م) مقارنة مع ما كان عليه الحال سنة 1397هـ (1977) تاريخ أول رحلة لي نحو هذه الديار المقدسة لتغطية موسم الحج.
ولاحظت التحسن الملحوظ الذي طرأ من حيث المنشآت وخطط التنظيم.. واليوم سأتناول -كما وعدت بذلك- أوضاع الحجاج الموريتانيين هذا الموسم مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل ثلاثة عقود.
وأبادر إلى القول –للأمانة التاريخية- أنني لم أزر المخيم الموريتاني في منى وعرفات كما لم أزر عمارات السكن في مكة والمدينة فقد أديت الحج هذه المرة من خلال وكالة سنغالية للسفريات وفي ظروف جيدة والحمد لله رب العالمين.. واستقيت معلوماتي عن الحجاج الموريتانيين هذا الموسم من خلال من التقيت بهم في منى ومكة المكرمة ومن خلال توضيحات قدمها لي مشكورا الزميل احمد ولد عبد الرحمن الذي تولي التغطية الإخبارية لموسم الحج لصالح الوكالة الموريتانية للأنباء.. وقد استمعت بكل انتباه واهتمام لاستجواب مجلس الشيوخ لمعالي وزير الشؤون الإسلامية السيد/ احمد ولد النيني حول الظروف التي اكتنفت أداء الحج والزيارة هذا الموسم كذلك.
*مشاكل حجاجنا قبل ثلاثة عقود
في سنة 1977 كان عدد الحجاج الموريتانيين الذين غادروا البلاد في الأفواج المنظمة (750) حاجا يضاف إليهم (300) حاج قدموا من موريتانيا عبر الخطوط الدولية أومن دول يقيمون فيها..
كانت المشكلة الأساسية للحجاج يومئذ هي (التنازل عن المطوف) فعند وصول جدة يبدؤون في محاولة التحرر من المطوف واستعادة الأوراق وحتى المبالغ المخصصة للمطوف.. وتترتب على هذه المشكلة مشاكل أخرى مثل:
- تحمل الأسر الموريتانية المقيمة في المدينة المنورة ومكة المكرمة ما لا تطيق من خلال استضافتها لعشرات بل مئات الأفراد دفعة واحدة وهي أسر تتكون في غالبيتها من المسنين الذين جاءوا للبلاد  المقدسة (للجوار) وانتظارا  للوفاة فيها، وعليه فهم بدون موارد مالية تذكر.
- ضياع أوراق الحجاج أو احتجاز المطوف لها مما يضع عبئا كبيرا على السفارة الموريتانية وهي يومئذ في جدة من إعداد أوراق بديلة (بدل ضائع) والتدخل لدى السلطات لحل مشكلة هذا الحاج أو ذاك.
- استحالة النظام في الوقت الذي لا يتجمع الحجاج في مكان واحد بمكة والمدينة وحتى في منى يفضلون الإقامة "تحت الجسر" أوفي "مجر  الكبش"  أو قرب "مسجد الخيف" على الإقامة في المخيم الموريتاني..
الوفد الرسمي في سنة 1977 يرأسه العلامة حمدا ولد التاه وهو في ذلك الوقت سفيرا  بوزارة الخارجية، وأعتقد أن الوفد يضم إلى جانبه موظفا أو موظفين من وزارة الخارجية، وقد التقيت بالعلامة حمدا في منزل السفير الموريتاني في جدة (المرحوم احمدو بن الطلبة)، والسفارة يومئذ تتولى كل أمور الحج.
وقد أجريت مقابلة مفصلة حول أمور الحج تلك السنة مع رئيس الوفد الرسمي (نشرتها "الشعب" يومي 14و15 دجمبر 1977) كما أجريت مقابلة مع السفير الموريتاني (نشرتها "الشعب" يومي 21و22 دجمبر1977)
البعثة الطبية المرافقة للحجاج في سنة 1977 يرأسها الدكتور محمد سالم ولد زين.
وكان الإقبال عليها شديدا خاصة في المدينة المنورة. وغالبية زوارها من الموريتانيين المقيمين بالسعودية.
والحجاج الموريتانيون في ذلك الوقت على قسمين: قسم جاء للحج وقد اتخذوا الاحتياطات لذلك ويعتمدون على أنفسهم أو أقاربهم من المقيمين ولا ينتظرون أي  شيء من الوفد  الرسمي.. أما القسم الثاني  فهم حجاج يمارسون التجارة وهم منشغلون ببضاعتهم.
بعد عودتي من الحج نشرت سلسلة من التحقيقات والمقالات.
*عناية متزايدة بالحجاج
اختلف الوضع جذريا عما كان عليه الحال سنة 1977 بالنسبة لحجاجنا الميامين، ففي هذا الموسم (2011) قدر عدد الحجاج الموريتانيين ب(4000) حاج بدل (1100) سنة1977.
لقد تحسنت ظروف الحج عموما بفضل المنشآت التي مافتئت تتطور وخطط التنظيم التي تتحسن باستمرار على مستوى المملكة العربية السعودية، ولقد ازدادت عناية الدولة الموريتانية بحجاجها وبذلت المزيد من أجل أن تساعدهم على أداء هذه الفريضة وازداد وعي الحجاج بضرورة الالتزام بالنظام وهو ما يتجلي  في انسجامهم مع المطوفين ولجوئهم للوفد الرسمي في كل شيئ .. هذا بالمقارنة مع ما كان عليه الحال في سنة1977.
وفي سياق الحديث عن أوضاع الحجاج في الموسم المنصرم أجد أنه من المناسب تقديم الملاحظات التالية:
1)- أن تنظيم الحج عملية صعبة ولن تجري بدون نواقص لكن الأمر غير المقبول هو أن لا نستفيد من تجاربنا ونكرر نفس الأخطاء.
2)-أن تطور الاتصالات من هواتف نقالة وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية مكن من انتشار المعلومات والشائعات بسرعة مذهلة وعلى أوسع نطاق.
3)- أن الاحتجاج في الشارع والمطالبة بالحقوق من أبرز الظواهر التي ميزت عهد ثورات ما عرف ب "الربيع العربي"، ويبدو أنها فرضت نفسها حتى على حجاجنا الميامين في شوارع مكة المكرمة.

*أخطاء الموسم
انطلاقا من هذه الملاحظات فإنه من المؤكد أن تنظيم الحج في هذا الموسم قد عرف بعض الأخطاء والنواقص منها ما يعتبر أخطاء فادحة ومنها أخطاء عادية ومنها نواقص لديها أكثر من مبرر.. ولكن كل ذلك تم تضخيمه بفعل وسائل الاتصال السريعة.
وحسب متابعتي للموضوع فهناك خطأين فادحين في هذا الموسم لا يمكن التغاضي عنهما:
الأول: أخراج حجاجنا من سكنهم في المدينة المنورة بصورة مفاجئة لهم وإرغامهم علي التوجه إلي مكة المكرمة في اليوم الأول والثاني من ذي الحجة بدل انتظار يومي الخامس والسادس من ذي الحجة وهو الوقت المناسب "للمحرم بالإفراد" الموافق لاختيار حجاجنا.
ومن الخطأ توقيع عقد بهذا الشكل، ومن الخطأ كذلك التعتيم على الموضوع حتى آخر لحظة ليفاجأ به حجاجنا؛ فقد كان من المفروض إطلاع الحجاج على فترة مقامهم بالمدينة المنورة في يوم وصولهم حتى يتخذوا الاحتياطات ويتجاوبوا مع متطلبات التنظيم..
الثاني: الخطأ الفادح الثاني – بالنسبة لي- هو إقدام بعض حجاجنا على قطع الطريق في مكة المكرمة ضحوة يوم التروية.. فهذا السلوك غير مقبول من أي حاج خاصة من حجاجنا الذين تربوا على التعلق بهذه الديار المقدسة واحترامها.. ومن المفترض أنهم يدركون بأنه (لا جدال في الحج) فكيف بالتظاهر وقطع الطريق في مثل هذا اليوم الصعب.
ومن الغريب تماما أن يقوم هؤلاء الحجاج بهذا السلوك بمكان قريب جدا من منى (أقل من كيلومترين) -حسبما سمعت من تصريحات مسؤولين-، والحجاج في ذلك اليوم لا بد لهم من المشي على الأقدام عدة كيلمترات.
هؤلاء الحجاج – سامحهم الله- أساءوا إلى سمعة شعبهم وبلدهم بهذا العمل الذي لا مبرر له..
وعدا هذين الخطأين فقد عرف تنظيم الموسم بعض النواقص العادية مثل: اكتظاظ المخيم الموريتاني في منى وهو أمر ليس بالجديد وعلاجه يصطدم بأخلاقنا الفاضلة "أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق" "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"..
وهناك  كذلك انتشار التجارة في مساكن الحجاج مما يربك النظام ويضايق الحجاج الذين لا يمارسون التجارة، وهذه مشكلة قديمة، ولا أنسى أننا قبل ثلاث عقود حاولنا استصدار فتوى من العلامة حمدا ولد التاه بتحريم التجارة في الحج ولم نوفق في ذلك..
أما العلاقة مع المطوف، وتوفر النقل في المشاعر المقدسة وتأخر الطائرات عن مواعيدها، وقرب السكن أو بعده من الحرم، فهذه أمور تتحكم فيها عوامل خارجة عن إرادة المنظمين، وتتحسن تارة وتسوء طورا..

اقتراحات لتحسين التنظيم
ووعيا مني لضرورة تكاتف كل الجهود من أجل أن يتحسن تنظيم الحج عاما بعد عام أقدم الاقتراحات التالية:
1) – لا بد من إنشاء مفوضية خاصة بالحج أو وكالة أو مؤسسة.. والمهم أن تكون هيئة دائمة وذات استقلال مالي وتمتلك الطابع القانوني للتحرك السريع والفعال؛ مما يضمن متابعة أمور الحج بصورة دائمة من تقييم وتخطيط وتنفيذ.. وتتحول اللجنة العليا للحج إلى مجلس إدارة لهذه الهيئة الجديدة، وأعتقد أن ذلك سيمكن من تذليل الكثير من الصعوبات التي يتعرض لها حجاجنا الميامين حاليا .
2 ) – تكثيف التوعية الدينية والمدنية للراغبين في الحج عبر وسائل الإعلام الوطنية ومن خلال النشريات والكتب الجيبية واستغلال مختلف شبكات الاتصال في هذه الحملات، وذلك لتعليمهم الأحكام الفقهية، وإنارتهم نحو السلوك اللائق في هذا الموسم العظيم..
3 ) – بذل مجهود أكبر في تأطير الحجاج ميدانيا وتنظيمهم كمجموعات تتحرك جماعيا حتى يسهل تأطيرها وتتجنب حالات التيه الكثيرة..
4 ) – استصحاب شعارات مكتوبة على لافتة تحوي علم الجمهورية الإسلامية الموريتانية والعناوين المهمة للمطوف والمؤطرين وغير ذلك.. مثل هذه اللافتة يضعها الحاج فوق كتفيه حتى يسهل تمييزه والاستدلال عليه؛ وغالبية الحجاج القادمين من مختلف الدول يستخدمون هذه اللافتات الفردية، ويتحركون كجماعات يرفع مؤطروها علم بلدهم أو شعار "حملته "أو "وكالته"..
5 ) – الاستفادة من التجارب السابقة ضروري، ولا يمكن القيام به دون إشراك ذوي الخبرة ممن لهم تجربة مشهودة، ولو بأخذ رأيهم.
6 ) – لا بد للصحفيين الذين يرافقون الحجاج وللمؤسسات الإعلامية التي ترسلهم أن يدركوا أن هذه ليست فرصة لأداء فريضة الحج فحسب بل هي لتغطية أكبر مؤتمر عالمي في أقدس بقاع الأرض، وهو جدير بتغطية مهنية جيدة، تستخدم فيها كافة الأنساق الصحفية: مقابلات، ربورتاجات، مقالات، برامج حوارية، أركان رأي... إلى غير ذلك..
وإذ أثمن عاليا مبادرة السادة الشيوخ بفتح ملف الحج من خلال جلسة علنية لمجلس الشيوخ فإنني آمل أن يتحسن تنظيمنا لهذا الموسم عاما بعد عام..
"وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ".
محمد الحافظ بن محم
دجمبر 2011

0 التعليقات:

إرسال تعليق