Ads 468x60px

أقسام المدونة

الأحد، 16 سبتمبر 2012

حركة العاشر يوليو وخط جريدة «الشعب»

(الحلقة التاسعة)
لم نكن (في قاعة التحرير بجريدة «الشعب») نتوقع انقلابا عسكريا في يوليو 1978، لأن الطبقة السياسية كانت مشغولة بإعلان النظام المفاجئ تطبيق الشريعة الإسلامية، أما العسكريون فكانوا منهمكين في حرب شرسة مضى عليها في ذلك الوقت سنتان وسبعة أشهر.
وحسب «حدس» أحد المحررين حينها فإن تعيين العقيد/ المصطفي ولد محمد السالك قائدا لأركان القوات المسلحة يبعد خطر الانقلاب العسكري عن نظام المختار ولد داداه، لأن «وجهه لا يوحى بمن يفكر في انقلاب» ـ هكذا علق أحد الصحفيين على صورة المصطفي ولد محمد السالك  خلال حفل تخرج دفعة من الجيش  أياما قبل الانقلاب ـ .
وعلى الرغم من كل ذلك حدث انقلاب عسكري ناجح تم التخطيط له بصورة محكمة ولم تسفك فيه قطرة دم.


منع توزيع العدد الجديد

وقع الانقلاب يوم الاثنين 10 يوليو 1978 ومنع التلاميذ من إجراء امتحان الباكلوريا الذي كان مقررا في ذلك اليوم، ولم يستطع عمال توزيع جريدة «الشعب» توزيع العدد الصادر فجر ذلك اليوم من الجريدة وكان مدير المؤسسة السيد/ محمد ولد بابته خارج البلاد، واتصل الموزعون بمدير التحرير الأستاذ الخليل النحوي الذي اتصل بدوره بوزير الإعلام الأستاذ/ سيدي احمد ولد الدي قبل اعتقاله بدقائق.
لم يوزع العدد الجديد من جريدة «الشعب» وتأخر اتصال العسكريين بمسؤولي «الشعب» الذين التحقوا بالمقر.. وكان أول من اتصل بهم من العسكريين هو قائد الحرس الوطني آنذاك العقيد سيدي احمد ولد احمد عيده.
إذاعة البيان رقم واحد
بالنسبة لي شخصيا كنت، لدى وقوع الانقلاب خارج نواكشوط في عطلة نهاية الأسبوع، وعند مدخل نواكشوط في حدود الثامنة من صبيحة الاثنين، أغلقوا الطريق أمامنا قرب توجنين حاليا بأن أوقفوا جرافة على عرض الطريق وأمامها عسكري يحمل بندقية ويتعامل مع الناس بالإشارات فقط دون عجرفة بل إنه يبتسم أحيانا مما يوحي بخير.
تجمع الكثير من السيارات وركابها عند هذا المدخل ونحن في حيرة مما حدث في نواكشوط، ولم يطل الانتظار؛ فمن خلال مذياع إحدى السيارات استمعنا إلي « البيان رقم 1 » الذي قرأه احد العسكريين بالفرنسية وبصوت جهوري (قيل لي حينها أنه الرائد محمد محمود ولد الديه) أما ترجمته إلى اللغة العربية فتولاها الأستاذ خطري ولد جدو مدير الإذاعة في ذلك الوقت.
لم يسمح لنا بدخول نواكشوط إلا بعد الظهر..
لجنة عسكرية تشرف على الإعلام
حينما التحقت بمقر العمل وجدت أن أوامر الحكام الجدد تقتضي أنه في انتظار تعيين وزير للإعلام فإن المواد المعدة للنشر في «الشعب» تتطلب تأشرة لجنة عسكرية مكلفة بالإعلام وتوجد بقيادة أركان القوات المسلحة الوطنية.
كنت في ذلك الوقت رئيسا للقسم الوطني وقد زرت هذه اللجنة مرة واحدة حاملا معي المواد المعدة  للنشر صحبة الزميل الب ولد الطلبه الذي كان في ذلك الوقت سكرتيرا للتحرير في "الشعب " باللغة الفرنسية.
رئيس اللجنة العسكرية المكلفة بالإعلام هو الرائد احمد ولد منيه - رحمه الله - والي جانبه الملازم عينين ولد اييه.. رئيس اللجنة استمع إلي الزميل الب وهو يقرأ المواد الفرنسية وناقشه فيها ، الغي البعض وترك البعض وكان هو يؤشر على المواد الصالحة  والملازم عينين يضع الطابع عليها .
لما جاء دوري قال احمد ولد منيه رحمه الله: هذه العربية (وابتسم) وتابع: قبل أن نغادر أهلنا علمونا العربية لكن هؤلاء العسكريين من ارتبط بهم ينسي العربية.. قال لي ذلك معتذرا، واستمع مني إلي مادة او مادتين وطلب مني أن أحدثه عن محتويات الباقي، وأعطاني توجيهات لم اعد أتذكر منها غير: إلغاء الأخبار السياسية الدولية أما المواد الثقافية والعلمية فلم يعترض عليها...
الحكومة الجديدة عينت بعد أربعة أيام من الانقلاب  وأصبح الأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل وزيرا للإعلام وانتهت علاقتنا باللجنة العسكرية المذكورة.
الخط العام لم يتغير
لم يحدث تغير كبير في خط الجريدة بعد هذا الانقلاب.. ويمكن القول ان "الشعب" بقيت جريدة حكومية كما كانت وكلما في الأمر انه تم إبدال رئيس برئيس وحزب سياسي حاكم بلجنة عسكرية حاكمة، واستمر نفس الأسلوب في التعامل إلي حد أن نشر استشهادات من خطب الرئيس الأستاذ المختار ولد داداه في الصفحة الأولي أبدل  فقط بمقتطفات من خطب العقيد المصطفي بن محمد السالك.. ولم يطرأ أي تغيير علي الصفحات الثقافية والدولية والاجتماعية..
واستحدثت الشعب ركنا جديدا واحدا بعنوان "تحت الضوء" كان الغرض منه كشف سلبيات النظام البائد لكنه ما لبث أن تحول إلي صفحة لشكاوي وهموم المواطنين وهي الصفحة التي كانت قد انطلقت في مستهل سنة 1978 تحت عنوان "مشاكل وآراء".
مصادرة تصريحات مثيرة
بعد مرور حوالي شهرين علي الانقلاب وفي الأسبوع الأول من شهر سبتمبر بدأت "الشعب" إجراء مقابلات مع وزراء العهد الجديد.
وتوليت، مع زملاء من الشعب الفرنسية، إجراء أول مقابلة مع الرائد جدو ولد السالك - رحمه الله - وزير الداخلية آنذاك و الرجل القوي في النظام.. تناول فيها أمور قطاعه وتصوراته للإصلاح.. والمثير في هذه المقابلة أن الرائد جدو ولد السالك صرح لنا بأنه يري أن الحل المناسب لمشكلة الصحراء في ذلك الوقت هو تشكيل حكومة وحدة وطنية بين موريتانيا والبوليساريو، علي غرار ما حدث في تلك الآونة بين المتمردين في شمال تشاد بقيادة حسين هبري والحكومة المركزية في اتشاد.
وقال إن هذه الحكومة  اذا ما شكلت تمتلك نصف الصحراء (تيرس الغربية) وعليها أن تتفاوض مع المغرب من  اجل حل سلمي.
وسألنا الرائد جدو ولد السالك عما إذا كان يسمح بنشر هذه التصريحات فأكد لنا انه يريد نشرها.
وحينما عدنا إلي مقر الجريدة اطلعت رئيس التحرير علي هذه التصريحات التي سلمتها مكتوبة مع المقابلة.. وهي تصريحات خطيرة في ذلك الوقت.
ونشرت المقابلة في عدد الـ 6 من سبتمير 1978 بحذف ما يتعلق بالصحراء، فمن الذي صادر هذا الجزء من المقابلة؟ اعتقد انه وزير الإعلام بعد التشاور مع المعني.
واستمرت "الشعب" في نشر مقابلات مع أعضاء اللجنة العسكرية الوزراء تتعلق بقطاعاتهم.
وبمناسبة ذكري الاستقلال الوطني، أجريت مقابلة أخري مع الرائد جد ولد السالك وزير الداخلية، ولم أتحدث معه في مسألة مصادرة تصريحاته السابقة (نشرت المقابلة 27 نوفمبر 1978).
ولعل الحدث الذي نال اكبر حظ من الاهتمام ، عبر صفحات جريدة "الشعب"،  في النصف الثاني من سنة 1978 ، هو تخليد "الشعب" لذكري صدور العدد الألف في الـ 5 اكتوبر 1978..
ذلك ما سنعرض له في حلقة قادمة بإذن الله.
محمد الحافظ ولد محم

0 التعليقات:

إرسال تعليق