Ads 468x60px

أقسام المدونة

الاثنين، 30 يوليو 2012

شاهد من أهل الشعب: في سنة 1397هـ (1977) رحلة الحج المباركة مع الوفود الإعلامية


الحلقة السابعة
"وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام"- صدق الله العظيم -
لقد من الله على – بفضله وكرمه- أن لبيت هذا النداء – لأول مرة- في سنة 1397هـ (نوفمبر 1977)؛ وذلك عندما تم تعييني ضمن البعثة الإعلامية المكلفة بتغطية موسم الحج إلى بيت الله الحرام التي ترأسها الأستاذ/ الحسن ولد مولاي اعل مدير البرامج بالإذاعة الوطنية حينها وكنت معه من جريدة "الشعب" إلى جانب المرحوم محمد الحبيب با  مسؤول البرامج باللغات الوطنية في الإذاعة.
رجعت من تلك الرحلة المباركة وبعد أن أديت الفرض، وأنا أتطلع إلى اليوم الذي أعود فيه من جديد إلى تلك الديار المقدسة لأزور المصطفى صلى الله عليه وسلم وأطوف بالبيت العتيق وأسعى بين الصفا والمروة  وأؤدي تلك المناسك والشعائر العظيمة.. وأنعم الله علي بالحج في سنة 1996 ولم يزدني ذلك إلا رغبة وشوقا في العودة إلى تلك الديار من جديد؛ وقد عدت إلى الديار المقدسة العام الماضي (1432هـ -2011 م) وزرت الحبيب المصطفى عليه أفضل صلاة وأزكي تسليم وأديت حجا مبرورا فضلا من الله وكرما.


سعادة وطمأنينة بالمدينة المنورة
في سنة 1977 لم تكن الدولة الموريتانية قد تبنت إرسال وفد إعلامي على نفقتها لتغطية موسم الحج كما هو حالها الآن، بل إن "بعض المسؤولين" لم يكونوا مقتنعين بجدوائية ذلك، وهو ما تناولته في تقرير منشور لي في جريدة "الشعب " الصادرة في 12 محرم 1398(23دجمبر 1977) – انظر المرفق-
لقد قمنا بهذه المهمة في نطاق دعوة من وزارة الإعلام السعودية التي حرصت على إكرامنا وتسهيل أدائنا لمهمتنا الإعلامية وكذلك للوفود الإعلامية كلها البالغة في تلك السنة (42) وفدا، حيث نزلنا حيثما حللنا  في فنادق الدرجة الأولى فندق (الكندرة) بجدة وفندق (الرحاب) عند باب المسجد النبوي الشريف وفندق (مكة) على مشارف المسجد الحرام.. وفي مخيمات خاصة بمنى وعرفات والمزدلفة .
لقد استغرقت هذه الرحلة المباركة عدة أسابيع عشنا خلالها سعادة وطمأنينة لم نعهدها من قبل .. وفي رحاب المسجد النبوي الشريف حيث الروضة الشريفة التي تحس فيها وكأنك بين يدي الحبيب المصطفى عليه أفضل صلاة وازكى تسليم القائل: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)... هنا تنتابك مشاعر الغبطة والسرور والهيبة والجلال.. هنا تفيض الدموع وتخشع القلوب لفرحة اللقاء وعظمة الموقف.. هنا في الروضة الشريفة وفي المواجهة وعند محل أهل الصفة تزاحم المزدحمين وتخالف أوامر الحراس والمنظمين لتزداد من نفحات هذا المكان المقدس الطيب الطاهر وأنت على يقين من استجابة الله لكل مطالبك ودعواتك .
وقرب المسجد النبوي الشريف تزور البقيع حيث آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء؛ فقد كان الرسول الكريم يزورهم ويسلم عليهم) السلام عليكم يا أهل البقيع: السلام عليكم يا ديار قوم مؤمنين وإنا بكم لاحقون) – أو كما قال صلى الله عليه وسلم - .
في المدينة المنورة يشعر المؤمن بارتياح وطمأنينة لا مثيل لها وينسى فيها الهموم والأكدار لذلك لا يغادرها إلا مكرها .
في المدينة المنورة حرصنا كبعثة إعلامية على أن نلتقي ببعض أعيان جاليتنا المقيمة بالمملكة العربية السعودية وكذلك ببعض الطلبة الذين يتابعون دراستهم بالجامعات السعودية في ذلك الوقت .
وزرنا البعثة الطبية المرافقة للحجاج الموريتانيين برئاسة الدكتور محمد سالم ولد زين الذي عين بعد ذلك بسنوات وزيرا لٌلإعلام و ينوبه الدكتور جا يحي . وشرح لنا أعضاء هذه البعثة أنهم يعالجون من مرضى الجالية المقيمة أكثر مما يعالجون من الحجاج.
*داخل الكعبة المشرفة
لم يطل مقامنا بالمدينة المنورة بسبب البرنامج الذي وضع لنا ودخلنا مكة المكرمة في مستهل شهر ذي الحجة محرمين بعمرة تحللنا بعدها (أي متمتعين).. دخلنا مكة التي يوجد بها أعظم بيت من بيوت الله على أرض الله (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات  بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)...
بقينا عدة أيام في مكة نطوف بالبيت العتيق ونصلى خلف المقام ونشرب من ماء زمزم.. وحظينا، في الـ 7 من ذي الحجة في تلك السنة، بحضور حفل غسيل الكعبة المشرفة تحت إشراف جلالة الملك خالد رحمه الله. وقد دخلت الكعبة وصليت داخلها إلى جميع الجهات وساهمت في الغسيل من خلال صب بعض المياه الموجودة بأواني كبيرة على الجص الذي هو رخام أملس ناصع. الحقيقة أنه طغت علي هيبة حينما دخلت الكعبة فبادرت إلى الصلاة والدعاء وحينما سكبت بعض الماء أخرجونا لأن الوقت المخصص لفوجنا قد انتهى، لذلك لم أتبين ما بداخلها فلا أتذكر الآن إلا جصها ولا اعتقد أني رفعت بصري وأنا فيها .
حضرنا نحن الثلاثة – أعضاء الوفد الإعلامي- هذا الحفل على ما أتذكر وكان معنا من الموريتانيين الأستاذ حمدن ولد التاه رئيس الوفد الرسمي السفير بوزارة الخارجية حينها، وكذلك المرحوم أحمدو ولد الطلبة سفير موريتانيا بجدة في ذلك الوقت (قبل نقل سفارات الدول الإسلامية إلى الرياض).
*أداء المناسك خارج المذهب المالكي
اقتضى برنامج ضيوف وزارة الإعلام أن نبقى في مكة حتى يوم الـ 9ذي الحجة حيث أحرمنا بحج من مكة وتوجهنا مباشرة إلى صعيد عرفة، فلم نحضر يوم التروية بمنى. وحضرنا صلاة الظهر والعصر جمع تقديم في مسجد نمره بعرفة، وفي المخيم الذي أقمنا فيه وفروا  لنا طائرة هيلوكبتر لالتقاط صور لجمع عرفة من الجو، ولأني أحمل معي مصورة فقد شاركت المصورين في هذه الجولة .
وبعد غروب الشمس نفرنا إلى المزدلفة حيث نزلنا في مخيم أعتقد انه ضم في تلك الليلة جميع الضيوف الرسمين لدى المملكة.. المخيم يشرف عليه المرحوم محمد عبده يماني وزير الإعلام في ذلك الوقت الذي قدم المرحوم محمد متولي الشعراوي لصلاة العشاءين جمع تأخير. وقد لاحظت في تلك الليلة وجود العديد من الشخصيات الإسلامية المرموقة معنا مثل: المرحومين الشعراوي وموسى الصدر وغيرهم.
بعد ما تناولنا طعام العشاء في المزدلفة والتقطنا الحجارة واصلنا سيرنا وسط الليل لنرمي جمرة العقبة آخر الليل ونؤدي طواف الإفاضة عند صلاة الصبح. وجئنا إلى مكان إقامتنا في منى في الصباح الباكر وهو دار للضيافة اعتقد أنها تابعة لوزارة الإعلام السعودية .
رئيس وفدنا الأستاذ الحسن ولد مولاي اعل لم يطمئن إلى رمينا جمرة العقبة ليلا وطواف الإفاضة عند صلاة الصبح وذهب عنا وطلب الفتوى من احد المفتين السعوديين الذي نصحه بأنه مادام مالكيا فان عليه إعادة الرمي ضحى وإعادة طواف الإفاضة بعد ذلك.. وهكذا فعل، وناب عنا في أداء الدم الذي لزمنا بسبب التمتع. فجزاه الله خيرا فقد كان نعم الرفيق في السفر ونعم المسؤول الناصح .
*المعركة الإعلامية
بعد عودتنا من مكة إلى جدة، التقينا في دار السفير الموريتاني المرحوم أحمدو ولد الطلبة بالعديد من الشخصيات الدينية والرسمية المرموقة.. وأجرينا مقابلة مفصلة مع العلامة حمدن ولد التاه رئيس الوفد الرسمي (نشرتها الشعب يومي 14 و 15 دجمبر 1977).. كما أجرينا مقابلة مع سعادة السفير الموريتاني بجدة (نشرتها الشعب يوم 22دجمبر 1977)..
لقد كنا كبعثة إعلامية نشعر أن علينا أداء الواجب من خلال تغطية مهنية لهذا الموسم العظيم، لكننا نشعر كذلك أن علينا رفع التحدي، حيث أن المسؤولين الذين أرسلونا غير مقتنعين بفائدة مهمتنا  بالنسبة للدولة.
لذلك طرحنا قضايا وفتحنا ملفات لم تكن متداولة في الإعلام حينها وتقدمنا وتقدم  محاورونا بمقترحات كان لها تأثيرها الإيجابي في تنظيم الحج بعد ذلك.. وأجد انه بعد 33 سنة فلا تزال بعض المشاكل التي طرحنا قائمة وما تزال بعض مقترحاتنا واردة كذلك:
- من ذلك الاقتراح الذي ورد في أكثر من نص نشرناه حينها والمتعلق بإنشاء  مفوضية عليا لشؤون الحج تتولى متابعة تنظيم هذا الموسم كما هو الحال في العديد من البلدان الإسلامية.. وأعتقد أن التجربة تؤكد سنة بعد أخرى ضرورة بروز هذه الهيئة المتخصصة.
- كذلك وردت اقتراحات حينها تتعلق بضرورة الاهتمام بجاليتنا بالمملكة العربية السعودية (المعروفة بالشناجطة) وقد وصفهم العلامة حمدن حينها بأنهم (هم السفارة الطبيعية أو التقليدية وهي عبارة عن جالية تضم علماء أجلاء بإمكانهم المحافظة على السمعة  الطيبة التي بناها لنا أجدادنا) .
فما تزال العناية بهذه الجالية ناقصة أما إشراكها رسميا في تنظيم الحج فاعتقد انه مازال غائبا..
من الأمور التي كانت مطروحة في ذلك الوقت ولم تعد مطروحة منها :
- إبعاد السفارة عن تنظيم الحج لتتفرغ للمهمة الدبلوماسية فقد تم إبعادها عن الحج حتى أنها حولت إلى الرياض بدل جدة..
- إلزامية المطوف.. لم يكن الحجاج الموريتانيون في ذلك الوقت يقبلون بالنزول عند المطوف أو الركوب معه.. واليوم انسجم حجاجنا - والحمد لله - مع النظام.
- تعزيز الوفد الرسمي بعلماء وإداريين .. وكذلك زيادة الطاقم الصحي وتوفير الإمكانات المادية الضرورية وقد تم كل ذلك .
- أما المعركة الإعلامية التي خضنا في ذلك الوقت فقد كسبناها بامتياز..  فبعد أن كانت الدولة – على لسان مسؤوليها- غير مقتنعة بتلبية دعوة الإعلاميين بحضور هذا الموسم، فها هي اليوم – ومنذ سنوات – تتحمل تكاليف بعثة إعلامية من(3) أشخاص وتزودهم بكافة مستلزمات العمل لمرافقة الحجاج وتغطية هذا الموسم تغطية تامة، إضافة إلى ذلك تلبي الدعوات التي توجه إليها من وزارة الإعلام السعودية برغبة واقتناع، كما أن المؤسسات الإعلامية تختار كل سنة من عمالها من توفر لهم فرص حج على حسابها .
لقد شهدت نهاية 1977 نشر مواد صحفية متنوعة عبر الإذاعة وجريدة (الشعب) أعدها أعضاء هذا الوفد الإعلامي  تتعلق بموسم الحج وأوضاع جاليتنا في السعودية فهل ساهم  ذلك في إقناع مسؤولينا بضرورة التغطية الإعلامية للحج؟
المرفق
*نظرة خطيرة إلى الإعلام
بعد عودتي من رحلة الحج المباركة  سنة 1977 نشرت في (الشعب) أكثر من (10) صفحات منها مقابلات ومقالات تتناول المشاكل المطروحة على الحجاج والجالية.. ضمن أحد هذه التقارير وتحت عنوان (لا تجارة بعد اليوم في الحج) (الشعب الصادرة في 12محرم 1398 - 23دجمبر 1977) تناولت مسألة إرسال وفد إعلامي مع الحجاج وكتبت تحت عنوان فرعي (نظرة خطيرة إلى الإعلام): ((بالنسبة للوفد الإعلامي فإن وزارة الإعلام السعودية توجه كل سنة الدعوة إلى وفود إعلامية من عدد كبير من دول العالم وعلى الخصوص من الدول الإسلامية. وفي هذا الإطار ومنذ عدة سنوات، يحضر وفد إعلامي موريتاني موسم الحج تلبية لدعوة من وزارة الإعلام السعودية التي تقدم  التسهيلات اللازمة من اجل أن يقوم رجال الإعلام بمهامهم على الوجه الأكمل.
إلا أننا - ونقولها بمرارة - لمسنا خلال الأيام التي قضيناها في الاستعداد للسفر عدم اهتمام من بعض المسؤولين في إعلامنا بهذه الفرصة التي لا تقدر بثمن من المنظار الصحفي البحت والتي تتيحها لنا المملكة العربية السعودية .
ويكفيك أن مسؤولا ذا مكانة مرموقة في الإعلام قال لنا في أحد اجتماعاتنا معه: (إنني لا أري أية فائدة تجنيها الدولة من سفركم هذا) ولكنه استدرك (كل ما هناك من فائدة هو أنكم ستؤدون فريضة الحج فقط وهذه مهمة شخصية) .
وأري انه لا حاجة لي في هذا المجال إلى التأكيد على خطأ هذه النظرة ولا على أهمية دور الإعلام في مثل هذه المناسبات -بالمقابل- وإنما الشيء الذي أريد أن أؤكد عليه هو أن نظرتنا إلى الإعلام عموما لا تزال قاصرة ولن يتطور الإعلام ما لم تتغير تلك النظرة)).

0 التعليقات:

إرسال تعليق