Ads 468x60px

أقسام المدونة

الاثنين، 23 يوليو 2012

شاهد من أهل الشعب: طاقم الإنتاج يتدرب في الصحف المغربية

الحلقة الخامسة
 زيادة خبرة وإعداد رصيد
في إطار التحضير لانطلاقة جريدة "الشعب" سنة 1975 بعثت الشركة الوطنية للصحافة طاقمها التأطيري (من رؤساء التحرير وغيرهم) إلى الجزائر للقيام بالتدريب مدة شهر في جريدتي "المجاهد" و "الشعب" الجزائريتين؛ بينما بعثت بعض طاقم سكرتارية التحرير بالفرنسية إلى جريدتي "لسولي" السنغالية..
بعد ذلك بسنة تقرر إرسال طاقم الإنتاج في جريدة "الشعب" للتدريب في المغرب بجريدتي "الأنباء" و "العلم" المغربيتين بالنسبة للمستعربين وبجريدتي "ماروك سوار" و "لماتين د صحراء" بالنسبة للمتفرنسين..


* في جريدة الأنباء *
كان عدد هذه المجموعة يقترب من(30) متدربا صحفيين من الشركة الوطنية للصحافة وفنيين من المطبعة الوطنية ..
واستمر التدريب في الفترة مابين وسط مارس وسط سبتمبر 1976 ...
انقسمنا بحسب  الاختصاص إلى عدة مجموعات وكنت مع الأستاذين الفاضلين :محمد بن الشيخ عبد الله وباب الغوث بن الطلبة في مجموعة واحدة هي : مجموعة رئاسة التحرير اوما يسمى في بعض الصحف : مجموعة الصفحة الأولى .
كان نظام الصحف المغربية ، حين تدربنا فيها ،يقتضى وجود مدير مسؤول هو مدير النشر ورئيس للتحرير ، لكن العمل الميداني التحريري تديره مجموعة من ثلاثة أشخاص فقط ، وهم يعدون الصفحة الأولى وتوابعها :يتولون الصفحات الإخبارية والتعليقات السياسية ولديهم إشراف عام على محتويات الجريدة .. هذه المجموعة حسب ما عايشناها في "الأنباء" والعلم" المغربيتين تبدأ العمل في حدود العاشرة صباحا وتنتهي منه في حدود الثامنة مساء بعد أن تكون الطبعة الأولي من الجريدة قد بدأت في السحب...
هذه المجموعة لاتتولى الصفحات الرياضية ولا الثقافية ولا المنوعات فهذه الصفحات لديها مشرفون خاصون بها.
جريدة "الأنباء" المغربية جريدة حكومية يقع مقرها يومئذ في وسط الرباط على زنقة المدينة ، غير بعيد من فندق حسان الشهير ..
قضينا فيها فترة تدريبية دامت (4)أشهر . كان يديرها في ذلك الوقت السيد/ احمد اليعقوبى .. ولا أتذكر من أسماء الزملاء الذين تدربنا معهم سوى اثنان هما :الأزهري ومحمد نافع وقد انقطعت الصلات بيننا منذ ذلك الوقت . وقد بذل الأزهري الذي هو مسؤول المجموعة جهدا كبيرا في أن يطلعنا على كل تفاصيل العمل وتقنياته وتوجهاته .
والحقيقة أنني كنت أكثر مجموعتي حاجة للتدريب لأن عمري في الصحافة حينها لا يتجاوز سنة. لم أدخل أي مدرسة مهنية بينما الأستاذ محمد ولد الشيخ عبد الله خريج كلية الإعلام بجامعة الجزائر والأستاذ باب الغوث درس الصحافة ومارسها في المشرق العربي قبل ذلك ..
بقينا في جريدة الأنباء عدة أشهر واطلعنا فيها على كيفية سير العمل في هذه الجريدة لكننا لم نكلف خلالها بأي مهمة سوى إعادة صياغة الأخبار والتقارير وترجمة الأنباء، وقد كان الزملاء حريصون على راحتنا إذ كنا نحضر (4) ساعات لليوم فقط .
ووجدنا الوقت الكافي لزيارة المكتبات وقراءة الصحف وبدأت في تلك الفترة إعداد أرشيفي الصحفي من قصاصات الجرائد واقتنيت العديد من الكتب المتنوعة ..
شهر واحد في جريدة "العلم"
تدريبنا في جريدة "العلم" المغربية خصص له الشهر الأخير من مقامنا في المغرب، كان يدير العلم  في ذلك الوقت الأستاذ عبد الكريم غلاب ويرأس تحريرها العربي المساري الذي تولى في ما بعد منصب وزير الإعلام..
كنا نتدرب مع مجموعة مماثلة لمجموعة "الأنباء" تتولى ـ هي الأخرى ـ الصفحة الأولى وتوابعها ولا أتذكر من أسماء الزملاء في "العلم " إلا اسم "بناني" وهو زميل يجيد اللغات الأجنبية ومقتنع بأطروحات حزب الاستقلال الذي تصدر عنه "العلم" وبقي هذا الجزء من اسم هذا الزميل عالقا بذاكرتي لأنني أجريت معه  نقاشات حادة بشأن (المطالبات المغربية بموريتانيا ) في الستينيات من القرن الماضي وموقف حزب الاستقلال من تلك (المطالبات) وخاصة موقف الزعيم علال الفاسي ..وتسنى لي في تلك الفترة أن اطلع على ما كانت تكتبه "العلم" عن الموضوع وذلك من خلال تصفحي لمجلدات الأرشيف في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات .
الزملاء في جريدة " العلم" حرصوا على أن يكلفونا بمهام عمل ويناقشوها معنا وحرصوا كذلك على حضورنا للعمل من العاشرة صباحا والى الثامنة ليلا لنعيش معهم ظروف إعداد جريدة يومية .
وعلى الرغم من قصر فترة تدريبنا في "العلم" مدة شهر واحد ، فقد استفدت منها مهنيا استفادة كبيرة ؛"فالعلم" يومئذ هي الصحيفة العربية الأولي في المغرب وبها طاقم مهني ممتاز .
ظروف ملائمة لإعداد الرصيد
مكننا هذا التدريب من الاطلاع على سير العمل في صحيفة حكومية تنقل الأخبار الرسمية وتلتزم بخط السلطة .. وكذلك اطلعنا على سير العمل في صحيفة حزبية ذات تجربة عريقة .. وجريدة ( الشعب) حينها جريدة حكومية لكنها (لسان حال حزب الشعب الموريتاني) ، كما هو مثبت في تروستها ، فهي بذلك جريدة حكومية- حزبية . وبفضل ظروف الإقامة الجيدة التي وفرتها لنا الوكالة الموريتانية المغربية للتعاون (امامكو) وبفضل عناية الصحف بنا استفدنا خبرات جديدة ظهرت بصورة ملموسة على جريدة (الشعب) منذ عودتنا في سبتمبر 1976 .. وقد استطعنا خلال مقامنا في المغرب ان نوفر رصيدا من المواد الإنتاجية (مقابلات تحقيقات مقالات ) غذى (الشعب) عدة أسابيع .
وحسب الرجوع إلى الأرشيف فإن آخر إنتاج نشر لي قبل هذا التدريب هو مقابلة مع السيد / الداه ولد الشيخ مدير سونمكس ونشرت بتاريخ 9مارس 1976 وأول إنتاج نشر لي بعد عودتي هو "العلامة إدريس العراقي يتحدث عن الطريقة التجانية : 49 % من المسلمين تجانبون "ونشرت بتاريخ 30 سبتمبر 1976 .
وكنت قبل أكثر من عشرين سنة قد كتبت خواطر عن هذه الرحلة التي هي أول رحلة قمت بها للعالم الخارجي وذلك في نطاق تدويني للرحلات العديدة التي قمت بها لدول عربية وأوربية ... ولم تجد هذه الخواطر طريقها للنشر بعد (تجدون الجزء المتعلق برحلتي الأولى إلى المغرب مرفق)
لقد كان هذا التدريب _بالفعل_ بداية اكتشافي للعالم من حولي .
محمد الحافظ بن محم


المرفق 
 
رحلتي الأولى .. اكتشاف للعالم
لم تكتمل سنتي الأولى في ممارسة المهنة الصحفية حتى ابلغتنى  ادراة الشركة الموريتانية للصحافة أنه تم اختياري ضمن مجموعة من الصحفيين والفنيين للتدريب في المغرب الشقيق وفرحت لأنني سأسافر خارج البلاد للمرة الأولى في حياتي لكنني كنت خائفا مما يخبئه لي من مفاجآت ..
وإذا أبي قبل أيام من موعد المغادرة أمام بائع القماش ثم في محل خياطة (البذلة المدنية) بمرافقة زميل لي ذو تجربة سابقة .. ولا انس الإحراج الذي لاقيته حينما اضطررت لخلع ثيابي التقليدية ولبس البذلة الجديدة لتقاس علي وأنا في محل الخياطة ، لأنه كان يخيل إلي  أنها لا تغني عن ثوب يلبس فوقها . وقد بذل زميلي جهدا كبيرا في إقناعي بان (الكوستيم) تكفى وحدها كلباس كامل ، لكنني لم أكن مطمئنا لها ، لأنها (ثوب محدد) – حسب تعبيري الفقهي - ولأنها (لباس النصارى) هكذا كنت اسمع عند كبار السن في مجتمعنا وهم يعيرون الأسرة التي (غوى) منها شاب حتى (تزيى بزي النصارى) .
لذلك حرصت على أن أودع الأقارب في منازلهم واطلب منهم عدم الحضور إلى المطار بحجة أن الوقت غير مناسب ، إنها كانت مجرد حيلة لئلا يروني في هذا اللباس ... وفي جو مفعم بنكت الأصدقاء وسخريتهم وهم يرون صديقهم قد(تشبه بالأجانب) صعدت - ضمن كوكبة المتدربين –إلى الطائرة حيث تلقيت أول درس تطبيقي في الأكل (بالشوكة وملحقاتها) وقد استجبت لتعليمات الزملاء حتى لا أكون شاذا غير أنني رفضت اخذ الشوكة بيدي اليسرى لأنني مازلت أتذكر ضربات جدتي عند ما آكل بيدي اليسري ..
في مطار (النواصر) بالدار البيضاء هبطت طائرة الخطوط الملكية المغربية لتطأ قدماي لأول مرة أرضا عربية غير أرض شنقيط  وانبهرت ببرودة الجو مع أن الشتاء كان قد ولى وبدأت الشمس تبدد الغيوم بأشعتها في مارس 1976  وانشغلت على طول طريق الرابط بين المطار والفندق بالمناظر الطبيعية الخلابة التي لم أعهدها من ذى قبل وبالناس الغادين والرائحين في مدينة الدار البيضاء التي تعد أكثر المدن المغربية كثافة سكانية في ذلك الحين .
جاءنا في الفندق السيد/ احمد العلوي صاحب المؤسسة الصحفية التي تصدر عنها ماروك سوار) (MAROC SOIR) وماتين دى صحراء (MATIN DU SAHARA)  ورحب بنا ترحيبا حارا كأشقاء وزملاء وتوزعنا على الفور إلى مجموعتين بحسب التكوين اللغوي المتفرنسون بقوا في الدار البيضاء بينما ذوى التكوين العربي توجهوا إلى الرباط تحت رعاية الوكالة الموريتانية–المغربية للتعاون .
قضيت أيامي الأولى في الرباط مندهشا لكل أمر ومتسائلا عن كل شيء , أتطلع إلى أن أنسجم بسرعة مع هذا المجتمع الذي يحتل في قلوبنا مكانة متميزة كموريتانيين يرون في (الغرب) -هكذا كنا نسميه -  بلد العلم والحضارة الذي انحدرت منه جل القبائل الموريتانية العربية .
في أيامي الأولى بزنقة (أولاد زيان) (بحي اليوسفية) كنت أتى لصاحب البقالة القريبة من (الفيلا) التي نقيم بها وأحدثه  بلغة عربية فصيحة ولا يزيد على أن يبش في وجهي ويقول لي (أش كون) فلا أرد عليه لأن هذه العبارة تستعمل في لهجتنا للسؤال عن الانتماء القبلي فأعود إلى الزملاء دون أن أتفاهم مع صاحب البقالة إلا بلغة الإشارات وأدركت من بعد أيام أن التاجر المغربي كان يسألني بلهجته عن مهمتي ، فسبحان من يجعل للعبارة الواحدة معان مختلفة من قطر إلى قطر.
وما لبثت أن انسجمت مع هذا المجتمع الذي كنت اكتشف في كل يوم من أيام مقامي الذي دام عدة أشهر المزيد  من عوامل التقارب  بينه مع الشعب الموريتاني .. وان كنت نسيت الكثير من الملاحظات المهمة في هذا المضمار فإنني لم انس كلمة ذلك الشيخ الوقور الذي التقيته بمطابع جريدة (الأنباء) الحكومية وطال الحديث بيننا حتى كشف لي انه ينتمي إلى قبيلة هاجر جل أفرادها إلى موريتانيا منذ قرون وأنه يعرف كل شيء عما آل إليه أمر أبناء عمومته فلما لمس منى الاندهاش قال لي وهو يرتب بيده على كتفي (اعلم يا ولدي أننا ذرية بعضها من بعض شئنا ذلك أم أبيناه فنحن منكم وانتم منا ) .
وكانت زيارتي للمغرب منطلق اكتشافي للعالم من حولي
بقلم محمد الحافظ بن محم
فبراير1983

0 التعليقات:

إرسال تعليق