Ads 468x60px

أقسام المدونة

الثلاثاء، 17 يوليو 2012

شاهد من أهل "الشعب": عام 1975: أمل في النهوض لولا حرب الصحراء


الحلقة الثالثة:
لدى انطلاقة جريدة "الشعب" في يوليو 1975 كان طاقمها قد أعد رصيدا مما يسمى "المواد الميتة" –أي القابلة للنشر في كل وقت-؛ لكن ما إن بدأت هذه الطاحونة حتى أكلت الرصيد أكلا لما وصارت تقول في يوم هل من مزيد؟..!
وهكذا الصحف اليومية.. عملية لا تنتهي حتى تبدأ من جديد.. تأتي على الأخضر واليابس في أيام قليلة ويجد طاقمها نفسه في سباق مع الوقت الذي لا يرحم؛ فالجريدة لا بد أن تصدر في الصباح بإنتاج جيد أو مقبول على الأقل، ومن أجل أن يطالعها القارئ في الصباح لابد أن يستمر العمل عبر جميع حلقات الإنتاج في الأربع وعشرين ساعة السابقة..
والظروف التي تجري فيها هذه العملية في سنة 2011 تختلف كثيرا عن الظروف التي كانت تجري فيها خلال النصف الثاني من سنة 1975.. مع أن عمل الصحف كله معاناة ومتاعب لكنها (متاعب لذيذة) -كما يقال-..
من أجل كتابة هذه الخواطر أو (الشهادات)، طالعت مجلدات جريدة "الشعب" لسنة 1975، لأتذكر بعض الأحداث التي عشتها والظروف التي اكتنفت ذلك..
ووجدت أنه نشر لي من  الإنتاج الصحفي الموقع باسمي، في هذه الأشهر الستة ما لم ينشر لي من حيث الكم في سنة كاملة من السنوات التي تلت ذلك..
وأنبه إلى أن الصحفي ينشر له في صحيفته عادة الكثير من المواد غير الموقعة باسمه مثل: الأخبار والمواد التي تدخل فيها قلم التحرير حتى أعاد صياغتها، والمواد المترجمة.. وغير ذلك.
وإن غزارة الإنتاج تجد تبريرها في روح الحماس والجدية والمثابرة التي تحلى بها الفريق الذي عمل في "الشعب" لدى انطلاقتها وكذلك الاستعداد للتضحية من أجل أن ينجح هذا المشروع الوطني وهو استمرار صدور جريدة يومية وطنية في هذه البلاد..
وإن حيوية وتصميم المدير المؤسس السيد محمد يحظيه ولد العاقب وجدية وتضحية السيد الخليل النحوى أول رئيس لتحرير "الشعب" كان لهما أكبر دور في تلك التعبئة الشاملة وذلك الإنتاج الصحفي المتنوع.
ولا شك أن طاقة الشباب (بدأت العمل وعمري 20 سنة)، والمناخ السائد في ذلك الوقت (أمل كبير واستنهاض عام للهمة)، كان لهما دور كذلك في كثافة الانتاج الصحفي في تلك الفترة..
v     أول تحقيق نشر لي:
أول تحقيق نشر لي في جريدة "الشعب" تناول مركز صناعة الزرابي وعنوان التحقيق الذي نشر مع الصور على صفحة كاملة من الجريدة هو (ثلاث ساعات مع العاملات في قطاع الصناعة التقليدية).. وصدر في العدد الرابع من "الشعب" يوم 4 يوليو 1975 وورد في هذا التحقيق أن (مركز التكوين لصناعة الزرابي) رأى النور في سنة 1966 بمساعدة من الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة الذي أشرف على تدشينه بنواكشوط مع الرئيس المؤسس المختار ولد داداه..
وتحدث لنا في هذا التحقيق الميداني السيدتان: أمنة السالم منت بلال ومريم بنت افيج وهما مكونتان ومسؤولتان في هذا المركز الواقع في لكصر مقابل قيادة الطيران العسكري، زرته بعد ذلك مرات في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي لمهمة ٌلإحدى التعاونيات في الداخل، ولم يكن يومها في عصره الذهبي.
وزرته بعد ذلك في يناير 2003 وقد اتخذ اسم الموريتانية للزرابي ووجدت أن أموره قد تغيرت إلى الأحسن، حيث اشتريت منه باسم الوكالة الموريتانية للأنباء وأنا إذ ذاك مديرها الإداري هدايا للوفود المشاركة في المؤتمر الثلاثين لاتحاد وكالات الأنباء العربية الذي انعقد بنواكشوط  23 و24 يناير 2003.
ووجدت أن إحدى المكونات التي قابلتها سنة 1975 تولت إدارة المؤسسة ونهضت بها نحو الأفضل..
v     إنتاج متنوع:
في هذا النصف الثاني من سنة 1975 أجريت العديد من المقابلات مع مدراء مركزيين في الدولة (مدير التجارة، مدير المعادن، مدير البيطرة) ومع مديري مؤسسات وطنية (مدير المعرض الوطني، مدير المستشفى الوطني، مديرة مصنع النسيج -صوناكو-، مدير المعهد التربوي الوطني، مدير الشركة الوطنية للتأمين وإعادة التأمين) ومع شخصيات سياسية وإدارية (حاكم المقاطعة الأولى، رئيس اللجنة الإدارية لمركز أبو يوسف كابرال، أمين اتحادية الحزب بنواكشوط، الأمين الدائم للجنة التحضيرية لمؤتمر الشباب).
وفتحت ملفات نشر كل واحد منها على عدة حلقات مثل: أزمة اللحوم، والمعرض الوطني، والمستشفى الوطني، والتأمين..
ونشرت لي يوم 29 يوليو 1975 مقابلة مع السيد محمد الأمين انياس بمناسبة وفاة الشيخ إبراهيم انياس تحت عنوان: "الأمة الإسلامية تفقد مرشدا عظيما"، كما غذيت في هذه الفترة صفحة (تراثيات الأسبوعية) وركن "هوامش ملونة"..
ومع اقتراب موسم الحج نشر لي في 12 سبتمبر 1975 مقال تحت عنوان: (مطلوب هجرة إلى الله لا حج إلى الأساور والأقمشة).. كما كتبت في رمضان من نفس السنة (سبتمبر 1975) حلقات من ركن "الصوم انتصار".
v     أول ربورتاج خارج نواكشوط:
أول ريبورتاج  لي خارج نواكشوط، كان في مدينة نواذيبو حيث ركبت الطائرة للمرة الأولى في حياتي يوم 18 سبتمبر 1975.. سافرت في الصباح وعدت في المساء وغطيت ثلاث نشاطات لرئيس الجمهورية المختار ولد داداه رحمه الله في العاصمة الاقتصادية: تدشين مصنع للمتفجرات، ووضع الحجر الأساس لمصفاة البترول، وبدء جلسات مؤتمر السفراء الموريتانيين.
ما أتذكره الآن حول هذا اليوم الحافل بالنشاطات أنه كان اليوم الأول من رمضان وأن شركة "ووست آلبين" اليونانية التي تتولى إقامة المصفاة نظمت بعد مراسيم وضع الحجر الأساس حفل كوكتيل حوى أطعمة وأشربة وقد دخل جميع الحاضرين القاعة الكبيرة المخصصة للحفل، وانسحب الرئيس واثنان من وزرائه إلى مكان آخر وبقي الجميع في القاعة.
وأتذكر أنه لم يتجنب الأكل والشرب من الحاضرين إلا أربعة أشخاص من الله علي أن كنت بينهم.. وكنت أتعجب من الناس تأكل في نهار رمضان، وأنا على يقين من أن هذا المشهد لا يمكن أن يتكرر اليوم، وهو المجاهرة بالفطر في رمضان في حفل رسمي؛ فقد تحسنت "أسلمة" الشارع والأماكن العمومية كثيرا بعد تلك الفترة، وهو ما نحمد الله عليه ونرجوه المزيد..
لقد عدت إلى نواذيبو بعد حوالي شهر من ذلك التاريخ، في  16 أكتوبر 1975 وذلك لتغطية زيارة الرئيس البلغاري حينها (تيودور جفكوف) وبقيت يومين في نواذيبو وقمت مع أحد الزملاء بزيارة مدينة "لكويرة" وكانت يومها تحت الاحتلال الاسباني، وهي في ذلك الوقت منطقة تجارية حرة تعرض فيها أجود أنواع الكماليات: ساعات، آلات التسجيل، ألبسة، أغطية.. الخ، وقمنا بجولة فيها وهي مكتظة بأنواع البضائع.
وبعد ذلك بأسابيع فقط انسحبت منها إسبانيا وأصبحت منطقة عسكرية مغلقة -كما قيل لي- / سبحان مقلب الأحوال..
وقد نشرت "الشعب" يوم 20 دجمبر 1975 نبأ "تحرير لكويرة" وهو أول خبر تنشره "الشعب" عن المعارك الدائرة مع البوليزاريو منذ 7 دجمبر 1975.
v     اهتمام متميز بالقارئ:
وقبل أن أختتم هذه الخواطر المتعلقة بـ"الشعب " في النصف الثاني من سنة 1975 لا بد أن أشير إلى الملاحظات التالية:
1-  أن الشعب في تلك الفترة كانت أكثر اهتماما بقرائها منها في الفترات اللاحقة؛ فقد استحدثت ركن بريد القراء وكان لديها ركن آخر تحت عنوان: "ولكم رأي" ينشر في كل مرة آراء ثلاثة قراء حول المواضيع التي يختارونها مع صورهم والأهم من ذلك أنها نظمت لقرائها مسابقة تحت عنوان: "مسابقة الشعب الكبرى" نشرت أسئلتها خلال شهر نوفمبر 1975 وأعلنت نتائجها في عددها الصادر يوم 31 دجمير 1975 حيث كان الفائز الأول هو الزميل مولاي الزين ولد احمدو يومها صحفي في الإذاعة وهو اليوم مستشار المدير العام للتلفزة الموريتانية، أما الفائز الثاني فهو المرحوم محمد المختار ولد عبد القادر يومها مسؤول الوثائق في الإذاعة؛ وقد نظم حفل تسليم الجوائز للفائزين يوم 25 يناير 1976.
2-  برز أن هناك حرص من المشرفين على "الشعب" على تقييم التجربة الناشئة ففي عددها الصادر يوم 25 أكتوبر 1975 نشرت الشعب افتتاحية تحت عنوان: "100 يوم ولت" -أي بمناسبة مرور 100 يوم على ميلاد الشعب-؛ كتب الافتتاحية السيد / محمد ولد بابته يومها رئيسا لتحرير الطبعة الفرنسية من "الشعب".
3-  ظهر في الأشهر الأولى لصدور الشعب اهتمام كبير بصفحة "خدمات" حيث كانت تحوي "مواقيت الصلاة – درجات الحرارة، وحالة البحر والصيدليات المناوبة، ماذا تسمع في الإذاعة: "لم تكن للبلاد تلفزة في ذلك الوقت"، حركة الميناء، أرقام الهواتف الضرورية، حركة الطيران، حالة الصرف.. والاهتمام بالخدمات في الصحف هو اهتمام بالقارئ كما هو معلوم..
وخلاصة القول أن النصف الثاني من سنة 1975 حمل الكثير من الأمل لهذه البلاد (انطلاق مشاريع كبرى للتنمية كطريق نواكشوط – النعمة ومصفاة للبترول، وميلاد جريدة "الشعب" والوكالة الموريتانية للأنباء وانعقاد مؤتمر حزب الشعب المسمى "المؤتمر التوضيح" والذي شهد اندماج الشباب في هذا الحزب وتخليد الذكرى 15 للاستقلال الوطني..).
لكن هذا الأمل ما لبث أن تبدد بسبب اندلاع حرب الصحراء في دجمبر 1975.. وذلك ما سنتعرض له لاحقا بإذن الله

0 التعليقات:

إرسال تعليق